صدر الكتاب الأول "ميشال دو سارتو: منطق الممارسات وذكاء الإستعمالات" عام 2013 وهذا كتاب ثان حول شخصية فكرية أهملتها الدراسات المعاصرة "الغسق والنسق، مقدمة في أفكار ميشال دو سارتو: الكنان، التاريخ، اليومي".
يتناول هذا الكتاب الثاني بالتعريف والتحليل القضايا الكبرى التي تخصَّص فيها ميشال دو سارتو وقدَّم لها القراءات الوجيهة بالعدَّة النقدية المتاحة، والتي تتلخّص في "الكنان" بوصفه التعبير اللغوي عن فضاء التجربة الروحية؛ "التاريخ" بإعتباره الحقل النظري والعملي للمعالجة الإبستمولوجية؛ وأخيراً "اليومي" بوصفه مجال العادي أو الإعتيادي للسلوك البشري.
بين هذه القضايا الكبرى مراكز في العبور ونقاط في التمفصل والإدغام، أفضت دراسة الكنان أو التجربة الروحية في الثقافة المسيحية إلى دراسة مهنة المؤرخ الذي قارب الكنان بأدوات تاريخية تدرسه ظاهرة متجلية في المؤسسات والتجمعات البشرية؛ وأدت دراسة مهنة المؤرخ من وجهة نظر سوسيولوجية وإنعكاسية إلى قراءة الحياة اليومية بزخم الأفعال والسلوكيات النافذة فيها، ودور العادي في التنبيه على جماليات وتأويليات هذه الأفعال والسلوكيات.
من العادي الروحي في الكنان المسيحي إلى العادي العلمي والعملي في المختبر التاريخي هناك أوجه في التقارب والتشاكُل بين هذه القضايا الكبرى.
يسعى هذا الكتاب إلى دراسة هذه القضايا الثلاث من خلفية النماذج الثلاثة التي استحكمت في تاريخ الثقافة الغربية والعالمية خلال أكثر من ألف سنة.
نكتشف في هذه المحاولة أوجه التناظر المرآوي بين القضايا الكبرى التي عالجها دو سارتو والبراديغمات الثلاثة (البراديغم الديني / اللاهوتي، البراديغم السياسي / الأخلاقي، البراديغم الإقتصادي / الليبرالي) التي دبَّرت العقل الإنساني في تجلياته الإقليمية أو الإيديولوجية.