يشكل هذا الكتاب قراءة في الوضع الفلسطيني الراهن وفي لحظةٍ فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، تشهد اضمحلالاً للدور الرسمي والذي يبدو أنه يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، لأسباب عديدة ليس أولها صلف الاحتلال الإسرائيلي ورفضه كل ما يمكن أن يؤدي إلى تطبيق القرارات الدولية، وليس آخرها...
يشكل هذا الكتاب قراءة في الوضع الفلسطيني الراهن وفي لحظةٍ فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، تشهد اضمحلالاً للدور الرسمي والذي يبدو أنه يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، لأسباب عديدة ليس أولها صلف الاحتلال الإسرائيلي ورفضه كل ما يمكن أن يؤدي إلى تطبيق القرارات الدولية، وليس آخرها نفاذ معظم أوراق القيادة الفلسطينية في مفاوضاتها مع الإسرائيليين. وفي ظل الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين برزت فكرتان محوريتان لحل المعضلة الفلسطينية: حل الدولة الواحدة وحل الدولتين والفكرتين لهما أنصار من دول وسياسات ومعنيين بالشأن الفلسطيني من قادة ومفكرين وناشطين من داخل وخارج فلسطين وكلٌّ له مبرراته ورؤيته للحل الشامل. وفي كتابه "يوتوبيا التعايش" يشرح الدكتور محمود محمد الحرثاني كافة وجهات النظر ويعرض بالأسماء والوثائق المتاحة للعملية التفاوضية على مدى 65 عاماً من تاريخ القضية، مشيراً إلى أن كثرة الأسماء وتعدد وجهات النظر ربما يكون دليل ارتباك؛ الأمر الذي لا يمنحها قدرة على تفسير الواقع وتفكيكه فضلاً عن تركيبه من جديد؛ فهناك فكرة "دولة فلسطين الديمقراطية"، وهناك "الدولة الديمقراطية الواحدة"، وثالثة هي "دولة لجميع مواطنيها"، ورابعة "الدولة ثنائية القومية" وغيرها من مسميات. وفي هذا السياق يعالج المؤلف أصول فكرة التعايش وصورها في الفكر السياسي الفلسطيني على اختلاف توجهاته، وكيف بدأت الفكرة تتبلور ومراحل تطورها عبر الزمان والمكان، والحركات والشخصيات الاعتبارية التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة الوطنية الفلسطينية؛ بالإضافة إلى مناقشة موضوع التعايش في الوعي الصهيوني، واستعراض ردود فعل المستوى الرسمي الإسرائيلي لفكرة الدولة الواحدة في نسختها الجديدة بالإضافة إلى مواقف الرأي العام الإسرائيلي من الفكرة. من جانب آخر يستعرض المؤلف تجربة الحركة الوطنية في جنوب إفريقيا وأثرها في فكر أنصار الدولة الواحدة، كما يفحص الاستراتيجيات التي استثمرتها حركة مناهضة العنصرية في جنوب إفريقيا، ويرى فيها أنصار الدولة الواحدة الآن أدوات تؤثر لصالحهم على الساحة الدولية. ويظل السؤال الصعب الذي يطرحه الكتاب مثاراً للجدل في ظل هذا الاختلاف: ما هي رؤية أنصار الدولة الواحدة للثوابت الفلسطينية التي نهضت في كل مرحلة شاهداً على صلف الاحتلال وتصميمه على تجاوزها لصالحه كما كانت شاهداً على عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراتٍ اتخذها بشأن هذه الثوابت بعضها أو كلها؟ في ضوء ذلك يستشرف الكتاب مستقبل فكرة التعايش العربي - الإسرائيلي في ثوب الدولة الواحدة مع تحليل نهائي واقتناع تام للدكتور الحرثاني مفاده: إن حلّ الدولة الواحدة رغم جاذبيته ورغم إنسانيته، ورغم قوة منطق من ينادون به وثقلهم الأدبي على الساحة الدولية، سينتظر طويلاً قبل أن يُترجم إلى أفعال على الأرض؛ هذا إن حصل.