-
/ عربي / USD
إن الهدف من هاتين الرسالتين اللتين يتضمنهما الكتاب هو دعوة إلى إعادة قراءة شوبنهاور على ضوء سمتين أساسيتين وهامتين لفلسفته: أولادهما إسهامه في الفلسفة النسَبية (ماركس، نيتشه، فرويد) وثانيهما حدْس العبث الذي يعطي لفلسفة شوبنهاور وحدتها العميقة ("فكرها الفريد").
فالمقصود إذاً البحث في نظرية الإرادة عن عناصر لقطع نهائي مع فلسفة كلاسيكية ما، ونقطة إنطلاق حقيقية لثورة فلسفية واسعة تمثل الماركسية، وفلسفة نيتشه والتحليل النفسي إلى يومنا هذا نتائجَها الرئيسية، كما أن المقصود من جهة أخرى إثبات أن عناصر هذه النظرية لم تقد شوبنهاور إلى وضع فلسفة نسَبية، بل إلى فلسفة العبث التي نجد أصداء عدّة لها في الأدب والفكر المعاصرين.
إن هذين الموضوعين الذين يمثلان إسهاماً أساسياً في تاريخ الأفكار، يكفيان لإعتبار شوبنهاور مفكراً ذا أهمية أولى، ويبدو أن السبب الأساسي لفقدان الثقة الكبير الذي لحق بفلسفة شوبنهاور هو تناس بيّن وواضح لسماتها الأساسية ترافق، في معظم الدراسات الشوبنهاورية، مع تقييم حصري لصفاتها الثانوية ألا وهو التشاؤم والمثالية الجمالية ومغزى العطف والزهد.
إن هذا الضعف يطرح مسألة خاصة في حالة شوبنهاور، فالملاحظ أن التأثير المتزايد للفلاسفة النسبيين والإهتمام المعاصر الذي أبداه بعضهم لتعبير العبث الأدبية والجمالية لم تثر إهتماماً جديداً بأعمال شوبنهاور، وإننا نعلم ذلك الكم من الإستغراب المشوب بالمرارة الذي شعر به شوبنهاور بعد صدور "العالم إرادة وتصوّر" مع أن الفلسفة تواصل سيرها المعتاد كما لو أنه لم يكتب أو يقدم شيئاً في مجالها.
وقد تكون المرارة في أيامنا هذه أكثر قسوة أيضاً لدى رؤية الفلسفة وهي تسلك الطرق التي كان خطها سابقاً ونسي أن يذكر اسمه، إن هذا الوضع الغريب الذي جاء ليمعن في جرح كبريائه يتطلب بعض الإيضاحات.
من هنا، فإن الهدف من كلامنا إذاً هو إعادة الثقة بشوبنهاور، فلكي نعطي فلسفته حقها ونقدّر أهمية إسهامه، ينبغي بالطبع نسيان كثير من سماتها، فوراء أخلاقية متكلفة وجمالية ذات إلهام مريب وتشاؤم في غير زمانه نجد العناصر الأساسية لتغيير أو إرتداد يتطلب مستقبلاً فلسفياً كلياً.
يبقى صحيحاً القول إنه حدث بعد شوبنهاور كسر ما في الفلسفة الغربية، وإن شوبنهاور يظل، سواء قبلنا بذلك أم لا رائداً أكثر ثورية مما نعترف له بذلك شكل عام، وحتى أكثر ثورية مما يعتقد هو نفسه بذلك، لا شك في أن شوبنهاور لم يكن لا فرويد ولا ماركس ولا نيتشه، ومع ذلك فإن فكره يتضمن بالقوة عدداً من الموضوعات الفرويدية والماركسية والنيتشية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد