كلما أوغل الباحث في دراسة التاريخ ازداد قناعة بأهميته في تكوين الأمم، وتربية الشعوب وتحقيق الآمال، وبناء الدول، ومحاربة الباطل، وإزالة الظلم، ونشر العدل، موقناً بأن الأيام دول وأن الأحداث تتكرر على اختلاف في الزمان والمكان، ولكنها تتكرر في إطارها العام، كما أن التاريخ يمدّ القارئ بخصائص وسمات الأحداث فيسهل عليه الاتعاظ والاعتبار بأحوال الدول والشعوب والأمم والمجاعات. من هذا المنطلق وخدمة لأبناء الشعب الليبي الذي رأى المؤلف بأنهم لا يتذكرون من فتوحات الصحابة والتابعين لليبيا والشمال الأفريقي إلا ثقافة ضحلة لا تسمن ولا تغني من جوع، من أجل ذلك كله ازدادت قناعة الباحث بأهمية كتابة التاريخ الليبي ليس من الحركة السنوسية فقط، بل ليمتد من الفتح الإسلامي إلى العصر الحديث. وتحققت الفكرة فكان هذا الكتاب هو السابع في سلسلة "صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي" والذي يتحدث فيه المؤلف عن الحركة السنوسية في ليبيا، وهو يعرف القارئ بالإمام محمد بن علي السنوسي الذي يعتبره الكثيرون حامل لواء النهضة الحديثة في ليبيا، ومرسي قواعدها، وموقد جذور الإيمان في قلوب قبائلها.
كما يسلط الكتاب الأضواء على جوانب متعددة في منهج الحركة السنوسية، ليبين للقارئ أن شعب ليبيا عندما أكرمه الله تعالى بداعية رباني استطاع أن يفجر طاقته الكامنة تحول إلى مجتمع إسلامي قوي حمل مشاعل النور في قلب أفريقيا المظلمة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الإسلام، وتاريخ الاستعمار الفرنسي والإيطالي والإنكليزي في ملحمة من أروع ملاحم التاريخ المعاصر في الصراع بين الكفر والإيمان والحق والباطل والهدى والضلال.
كما يوضح الكتاب للقارئ أن ابن السنوسي يعتبر رائداً من رواد مدرسة الإصلاح الإسلامي في الشمال الأفريقي ووسطها وغربتا، عمل على نشر الإسلام الصحيح، وعلى محاربة البدع والخرافات، والشعوذة بأنواعها وأشكالها، التي لحقت به في عصورها المتأخرة في مشرقه ومغربه على حدّ سواء.
وقد تمّ تقسيم الكتاب إلى مقدمة وثلاثة فصول، وخاتمة وهي كالآتي: الفصل الأول: الإمام محمد بن علي السنوسي واشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثاني: البعد التنظيمي، والمنهج التربوي، والبعد السياسي عند ابن السنوسي واشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثالث: أسلوبه الدعوي، وثروته الفكرية، وصفاته الربانية واشتمل على ثلاثة مباحث. واختتم الكتاب بخاتمة ضمنها المؤلف نتائج بحثه هذا.