استكمالاً لجهد نقدي ونظري يتضافر مع الجهد الإنتاجي لأفلام الجزيرة الوثائقية؛ تُصدر الجزيرة الوثائقية كتابها السنوي الخامس الذي يحمل عنوان: «كيف نفكر وثائقياً؟» والهدف هو تشريح الإشكاليات المتعلقة بالفيلم الوثائقي تنظيراً وتطبيقاً.في الكتاب الخامس تكون الجزيرة...
استكمالاً لجهد نقدي ونظري يتضافر مع الجهد الإنتاجي لأفلام الجزيرة الوثائقية؛ تُصدر الجزيرة الوثائقية كتابها السنوي الخامس الذي يحمل عنوان: «كيف نفكر وثائقياً؟» والهدف هو تشريح الإشكاليات المتعلقة بالفيلم الوثائقي تنظيراً وتطبيقاً.
في الكتاب الخامس تكون الجزيرة الوثائقية قد أخذت طريقها نحو استكمال مشروعها، كمشروع ثقافي شامل لا تتمثل مهمته فقط في إنتاج الأفلام وعرضها؛ وإنما تجد نفسها معنية بتطوير التفكير في الفيلم الوثائقي ونظرياته؛ وبهذا تحاول تحقيق هدفها الأقصى؛ وهو تنمية ثقافة الفيلم الوثائقي في العالم العربي. كما يأتي مشروع الكتاب ثمرة لمجهودات جبارة بذلتها نخبة من النقاد والأكاديميين العرب بالمساهمة ببحوث قيمة لمعالجة القضايا المطروحة في الساحة السينمائية الوثائقية العربية والعالمية.
يستهدف الكتاب النخبة السينمائية من مخرجين ومبدعين في مجال الفيلم الوثائقي؛ ولكنه يستهدف - أيضاً - الدارسين والباحثين من طلبة في الفنون الجميلة وأكاديميين هم في أمس الحاجة إلى مراجع متخصصة في الفيلم الوثائقي؛ نظراً لشُحِّها في العالم العربي. فكانت تجربة الكتاب محاولة لسدِّ نقص في المكتبة السينمائية النقدية العربية التي لا تدَّعي قول الحقيقة في هذا المجال؛ ولكنها تدَّعي - وبكل ثقة - فتح أبواب التفكير والنقاش والجدل العلمي البنَّاء.
يتألف الكتاب من أربعة محاور يتضمن كل محور مجموعة دراسات تقارب الإشكالية من عدَّة زوايا؛ فكان الباب الأول جامعاً لبعض الإشكاليات النظرية حول مفهوم الرؤية والكتابة في الفيلم الوثائقي؛ فقدم الناقد والمخرج المصري هاشم النحاس تعريفات للفيلم الوثائقي، ثم سعى الباحث المغربي الحبيب الناصري إلى التركيز على جماليات الفكرة الوثائقية، أما قيس الزبيدي فتناول مفهوم النص والكتابة في الفيلم الوثائقي... ومبدعون آخرون تناولوا جوانب أخرى للفيلم الوثائقي يعرضها الكتاب في هذا الإطار. وكان الباب الثاني محاولة لطرح إشكالية تطبيقية عملية؛ وهي: كيف ننجز وثائقياً. فبعد بسط الإشكاليات الفلسفية والفنية والجمالية ينتقل الكتاب إلى الإشكاليات الإجرائية من خلال نماذج وأمثلة منتقاة لعدد من المشتغلين بالفيلم الوثائقي. في الباب الثالث يعرض الكتاب تجارب المخرجين وأصحاب "المطبخ الوثائقي"؛ ومن بين هؤلاء أجرى حسن المرزوقي حواراً مطولاً مع المخرج المصري الفذ علي بدرخان؛ تناول جُلَّ الإشكاليات النظرية والتطبيقية حول إنتاج الفيلم الوثائقي. كما يعرض الكتاب تجارب لمبدعين آخرين مثل المخرج والكاتب الفلسطيني نصري حجاج، كما يمرُّ الكتاب على تجربة عالمية حديثة نسبياً؛ وهي تجربة الهولندي يوهان فان دركونن؛ حيث يسلط عبد الكريم قابوس الضوء على تجربته السينمائية؛ خاصة وأن عبد الكريم قابوس كان أحد مساعدي هذا المخرج العملاق. ويتناول الباب الرابع والأخير من الكتاب إشكالية التلقِّي وجماليته؛ من خلال ما يقدمه عدد من النقاد في هذا المجال؛ ومن بين هؤلاء الناقد المصري أمير العمري الذي تناول قضية الفيلم الوثائقي والجمهور وخصوصيتها، أما عبد الكريم قابوس فَيُبَسِّط للقرَّاء أهم الرؤى التي تناولت تلقِّي السينما وضعف المباحث التي اهتمت بالوثائقي، ومن جهته سلط الناقد اللبناني إبراهيم العريس الأضواء على مفهوم الموضوعية أثناء صياغة الرؤية الفنية للفيلم الوثائقي... وأبحاث أخرى ذات صلة.
وبعد، «كيف نفكر وثائقياً؟» سؤال لا يمكن أن يُجيب عنه كتاب واحد؛ وإنما هو جهد متواصل للتفكير والتجريب وإعادة التفكير والنظر؛ تحاول الجزيرة الوثائقية أن تفتح نافذة ليدخل الهواء إلى حجرة الفيلم الوثائقي العربي بعد انغلاق طويل.