-
/ عربي / USD
"كان قد مضى على سفرتها الأخيرة إلى بيروت شهران، وحدها كانت كما أوصاها جابر، كما يوصيها كل مرة، ووحدها كانت تريد أن تكون اليوم. ولكن ماذا تصنع بتميمة؟ ترفض البقاء في البيت، لو تنتظريني عند خالتك في صيدا، شادت تميمة برأسها سلباً فتمتمت آمنة وهي ترفع السلة إلى كتفها، أعوذ بالله من هذا الجيل، أو بدلاً من أن تمشي في الدرب اتجهت إلى وراء البيت، إلى حيث تعرف تميمة، فصاحت تلحق بها، متى نخلص من حاجاتك؟ طمني بالك! أنا لن أقضي حياتي في هذا ألقن مثلك إكراماً لك ولابنك. قلت لك ألف مرة انزعي بيروت من رأسك، صيدا وبس! لم تجب تميمة، فاستطردت ألام ملاطفة. بيروت لها ناسها، يا بنتي، تقول ذلك وهي موقنة أن كلامها ينزلق عن تميمة كما ينزلق المطر عن البلاط".
بعد ثلث قرن من كتابته القصة "الرغيف" عاد توفيق يوسف عواد ليكتب لجيل 1968، وعن ذاك الجيل الرواية التي لم يكتبها لهم أحد سواه. عاد ليكتب عن بيروت وناسها قصته الشهيرة "طواحين بيروت". فقبل أي واحد من الصحفيين والسياسيين والمحللين، قبل أي واحد من ممتهني قراءة المستقبل، أدرك توفيق يوسف عواد، بحدسه الفني والوطني أن شيئاً ما سينهار، وأن المجتمع اللبناني-مجتمعه-بتداعي للسقوط، وهي في رائعته هذه التي لها مكانها الرفيع في "بانتيون" الآداب، يتنبأ عن الكارثة بصوت صارح، أقل ما يقال فيه أنه يحملنا على الخجل عن مواطنيه، لأنهم سدوا آذانهم عنه ولم يسمعوا إليه في حينه. طواحين بيروت-إنها ملحمة الجيل في لبنان والبلدان العربية تجاه قضايا المصيرية في العقيدة والسياسة والجنس.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد