إذا كان عنوان النص عتبة له، فإن عنواناً مثل "خرجنا من ضلع جبل" يحيل بدءاً إحالتين، داخلية وخارجية: الأولى تعكس الوجهة الرؤيوية والفنية - إلى حد ما - والثانية: توحي بتمكن الكاتبة ووعيها بفنُها.إن أول ما يتبدى للقارئ في قراءة هذا النص هو أن الكاتبة تضعنا في مواجهة بين الأرضي...
إذا كان عنوان النص عتبة له، فإن عنواناً مثل "خرجنا من ضلع جبل" يحيل بدءاً إحالتين، داخلية وخارجية: الأولى تعكس الوجهة الرؤيوية والفنية - إلى حد ما - والثانية: توحي بتمكن الكاتبة ووعيها بفنُها.إن أول ما يتبدى للقارئ في قراءة هذا النص هو أن الكاتبة تضعنا في مواجهة بين الأرضي والسماوي، وهي كتابة غير بعيدة عن مغامرة العقل الأولى منذ لحظة البدء وبدء وجود الكائنات على الأرض، تلك الأرض بما عليها، والسماء بما فيها، هو واقع يحتاج الكثير من المغامرة لقراءته وكتابته وتفسيره، ونَحسبُ أن لولوة أحمد المنصوري من هواة هذه المغامرة فبدأت رحلة البحث عن المعرفة بمفهومها المجرد، وهو مبدأ أسلوبي سيطر على النص حيث الغموض الأدبي، وتداخل المرئي واللامرئي، وحيث استحضار ما هو وهمي وأسطوري وتجسيده كواقع مقنع يفوق الواقع الحقيقي، وبالعكس تجسيد الواقع الحقيقي كوهم وفنتازيا غير معقولة ووجود غامض، وحيث التوغل في أعماق هذه المتاهة الآسرة في أعماق الزمان والمكان.
في "خرجنا من ضلع جبل" ثمة ممارسة واضحة لحالة الأسطورة القديمة وإعادة خلقها من جديد تبدأ فصولها حين انشقت الجبال، وخرّت وطمرت نفسها في الأرض، وحده (جبل جيس) وقف بين يدي الله قلقاً… ونادى: "إلهي… إن شئت أخرُّ هداً.. وأدك نفسي دكاً". لكن المشيئة الكونية نزلت بالرحمة والسكينة، وسبَّح الجبل بحمد الله وخشيته.تقول الرواية راوية وحيدة هي "هند" التي تبدأ بسرد فاجعةٍ تعيد نفسها في البلدة "التي انزوت وانحشرت في مصاب جلل واحد، في صخرة انبجست من رأس جيس، وتدحرجت عالقة بين أصابع قدميه، تحديداً على رئة بلدتنا. من هنا… من الصخرة العاقة خرجت اللعنات تباعاً على روح بلدتي المنزلقة بالخطايا". إذاً هذه الفاجعة سببها الخطايا التي عمت البلدة، وكان من آثارها أن جعلت كل من يولد في هذه البلدة مصاب بداء الكهولة، وحدها "هند" نجت من هذا الداء، فكان لزاماً عليها تخليص البلدة من هذا الوباء والبحث عن سر ذلك الحجاب الموجود في صخرة بحجم جبل والذي خاطه "جنيٌ حاسد للبشرية"، تبدأ هند برحلة البحث عن مكان "حجاب الكهولة وانتشاله" وتبدأ معها رحلة البحث عن أسباب الوجود وسر الحياة والروح والموت والحياة الآخرة.هي أسئلة معلقة ستظل تنتظر إجابات كما سيظل هذا النص بحاجة إلى الكثير من القراءات والتأويلات، ولا ندعي سوى أننا لامسنا هنا شيئاً من أشياء كُثْر يودّ أن يقولها.