إن إستنباط المؤلف للمكونات التي تقوم عليها الثّقافة العربيّة تحث على التعقل والأخذ بكلّ معطيات العلوم دون إستثناء بداية من القرآن الكريم الذي أعطى للمسلم قاعدة التعامل العقلي مع الوجود والأشياء المحيطة، فالإسلام دين إيمان وإحسان، والإحسان يتطلب أن تكون معارفنا بالوجود...
إن إستنباط المؤلف للمكونات التي تقوم عليها الثّقافة العربيّة تحث على التعقل والأخذ بكلّ معطيات العلوم دون إستثناء بداية من القرآن الكريم الذي أعطى للمسلم قاعدة التعامل العقلي مع الوجود والأشياء المحيطة، فالإسلام دين إيمان وإحسان، والإحسان يتطلب أن تكون معارفنا بالوجود معارف عقليّة حكيمة، لأنّ الإحسان هو أصل الحكمة، ولأنَّ الحكمة هي أصل التعامل مع الآخر. والإسلام إحسان لأنّه سلام ومحبّة للسّلام، ولست أدري كيف يمكننا أن نفهم الإسلام خارج ثقافة الإحسان وخارج ثقافة السّلام، فالجاهل هو الوحيد الذي يرى في الإسلام عنفاً وقتلاً وقهراً فلكي لا ينزلق في كابوس الجهل حثّنا الإسلام من أوّل وهلة وفي آيات بيّنات لا غبار عليها أن نتعلّم ونتعقّل وأن لا نقهر إلاّ الجهل وما ينتجه من عنف وفتنة.
ومهما يكن من أمر فالثّقافة العربيّة كانت وما زالت بكل آلياتها الوجدانية والعقلية تبحث عن معرفة الواقع العميق للأشياء وعن كينونتها وماهيّاتها والفلسفة رافد من روافدها بها تتعقل الأشياء وتحدد الحقّ وتطلب السعادة.
وقد أحسن المؤلف عندما أكد أن مفهوم الإنسان لم يكن غائباً في الدراسات الفلسفية القديمة، لقد كانت الإشكالية الهامة طبعاً في فلسفة أفلاطون والشغل الشاغل لأرسطو، وما الفكر السياسي الأفلاطوني والفكر الأخلاقي الأرسطي إلاّ محاولتين لربط النظر بالعمل، ربط "الفضائل النظرية" بالفضائل العملية "حسب تعبير الفارابي ليكون افلاطون" - كما هو الشأن بالنسبة لأرسطو - "الفيلسوف الكامل على الإطلاق"، إلا أن تناول الإنسان تناولاً كوسمو سياسياً قد أخذ وجهة جديدة عند الفارابي حاول زهير المدنيني هنا بشجاعة وإتقان بيان معطياتها وأسبابها ومستتبعاتها، إذ ارتكز أساساً على مفهوم المدينة (والمدنية) واتخذ هو أيضاً - توجهاً جديداً مع إرتباطه بمفهوم التعقل.