-
/ عربي / USD
سبعة عشر عاماً انقضت على إقرار التعديلات الدستورية المنبثقة عن وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لعلها كانت كافية لمحاولة إجراء تقويم علمي أولي للنظام السياسي اللبناني الجديد، ولا سيما موقع رئيس الجمهورية في هذا النظام، على الرغم من الصعوبات التي رافقت تطبيقه التي أدت إلى رسم صورة غير واقعية له، إضافة إلى ألأزمة المستمرة منذ أكثر من سنتين وما رافقها من ممارسات مخلة بالأصول الدستورية. هذه المحاولة أجراها المحامي أنطوان سعد في الكتاب الذي بين أيدينا وهو في الأصل أطروحة أعدها وحصل على أثرها على شهادة الدكتوراه اللبنانية في الحقوق.
يقسم المؤلف كتابه إلى قسمين، الأول يتناول فيه موقع رئيس الجمهورية ودوره من خلال دستور سنة 1926، في بابين: الأول يبحث في مراحل نشأة الكيان وإقرار الدستور وبناء الصيغة، حيث ينتهي في الفصل الأول منه إلى تحديد المبادئ التي بني عليها دستور 1926، ومرحلة تطبيقه حتى بلوغ الاستقلال، باعتماد النظام البرلماني مع بعض عناصر النظام الرئاسي بتوليه السلطة الإجرائية لرئيس الجمهورية بمعاونة الوزراء الذين يعينهم ويقيلهم، آخذاًً بالتفسير الذي اعتمده العديد من الباحثين في الفقه الدستوري بأن السلطة المنتدبة عززت صلاحيات رئيس الجمهورية كي تستطيع من خلاله إحكام سيطرتها على شؤون الدولة، كما أن افتقار البلاد إلى أحزاب قوية تتمكن من إيصال أغلبية نيابية إلى البرلمان لدعم الحكومة، أدى إلى تعزيز سلطة رئيس الجمهورية والبعد عن واقعه البرلماني باتجاه نظام شبه رئاسي غير معلن. وينتقل في الفصل الثاني إلى ميثاق سنة 1943 وموقع رئاسي الجمهورية متحدثاً عن مقدماته وأسسه التي تقوم على تخلي المسيحيين عن الحماية الأجنبية وتخلي المسلمين عن فكرة الوحدة مع سوريا، مع تقييمه للميثاق من خلال العهود الرئاسية منذ الاستقلال حتى إقرار التعديلات الدستورية سنة 1990، منتهياً إلى عرض الانتقادات الموجهة إلى خلفية الميثاق الطائفية وقيامه على التوازن الطائفي وتقاسم الواقع والمصالح بدلاً من المساواة والكفاءة والولاء للوطن، مع التنويه بالبعد الإيجابي لهذا الميثاق في تكريس إرادة العيش المشترك والتشبث بالحرية. وفي الباب الثاني من هذا القسم يعرض لموقع رئيس الجمهورية ودوره في دستور سنة 1926 مفصلاً صلاحياته المتعددة في مجالات السلطة الإجرائية والعلاقات الخارجية والتشريع، باحثاً في أسباب رجحان كفة السلطة الإجرائية والدور الأساسي لرئيس الجمهورية في الحياة السياسية وتهميش دور الحكومة والبرلمان مما كان أحد أسباب الخلل في دستور عام 1926.
أما القسم الثاني فيتناول موقع رئيس الجمهورية ودوره بعد التعديلات الدستورية سنة 1990، بدءاً بالأسباب التي أدت إلى هذه التعديلات في باب أول، متحدثاً عن شعور المسلمين بالغبن على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي وتفرد الرئيس في الحكم، إضافة إلى مساوئ الطائفية السياسية وترسيخ الجمهورية بعد تعديلات 1990، في باب ثان، مسهباً في عرض صلاحيات رئيس الجمهورية في المجال التشريعي والعلاقة مع مجلس النواب والمشاركة في عمل السلطة الإجرائية والعلاقات الخارجية ومسؤوليته عند خرق الدستور وأصول محاكمته، لكي ينتهي إلى تحديد الدور السياسي والدستوري لرئيس الجمهورية بعد تعديلات 1990 وصفته التمثيلية وتأثير شخصية الرئيس على دوره في الحياة السياسية والدستورية، مشيراً إلى مواطن القوة في ودوره رئيس الجمهورية كرئيس للدولة وكرمز لوحدتها وحام للوطن ودوره في تشكيل الحكومة في حال تأييده من قبل الأغلبية النيابية تأثيره على السلطات والرأي العام، وإلى مواطن الضعف في هذا الدور عند عدم وجود أغلبية نيابية مؤيدة له وعدم قدرته على التأثير في الرأي العام. ويخلص إلى نتيجة مؤادها أن تعديلات 1990 جعلت موقع الرئيس أكثر ملاءمة مع النظام البرلماني، بحيث لم يعد يمارس السلطة الإجرائية بمعاونة رئيس الوزراء بل أصبحت مهمته الأساسية التدخل في ضبط أداء المؤسسات الدستورية والعلاقات القائمة بينها، على أن يبقى دائماً فوق اللعبة السياسية محافظاً على الوحدة الوطنية وسير عمل السلطات العامة واستمرارية الدولة، لأن حقيقة دور الرئيس تكمن في قدرته على ممارسة دور الحكم الإيجابي أو الحكم الفاعل الذي يستطيع أن يتدخل وأن يكون لتدخله تأثير إيجابي سواء على المؤسسات الدستورية أم على الرأي العام.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد