-
/ عربي / USD
لم تحبّ عمّتي رحيمة فصل الشتاء في يوم من الأيّام، ففصلها المحبّب هو الصيف، تهمس لي بين حين وآخر: "يّما بساط الصيف وسيع، جدّك الحجّي كان يقول: لو كان للصيف أمّ لبكت عليه، انظري إلينا كيف نتكدّس بعضنا فوق بعض في العليّة في الشتاء!.. الشتاء لا يحتمل في تلّ الورد، فهو شديد البرودة، كان جدّك الحجّي يتمنّى لو يشتّي في مصر، يقولون إنّ مصر دافئةٌ في الشتاء".
عمّتي حكيمة لم تكن تحبّ الشتاء أيضاً، حيث يتعذر عليها صبغ ملابسها وغسلها، ويحول الجوّ دون جفافها، كان فصلها الأثير هو الربيع، ففيه تخرج من سباتها، وتبدأ بتجديد حزنها وصبغ ملابسها بالسواد، وحدها عمّتي كريمة تفرّدت بحبّ الشتاء الذي تستعيد فيه قصّة غرامها مع وسيم، إذ جمعهما العشق الّذي توّج بالزواج في فصل الشتاء. أحببت جميع الفصول الّتي أحبّتها عمّاتي في حياتهنّ، فكلّ فصل مرتبطٌ عندي بواحدةٍ منهنّ، ثمّ تلبّسني فصل الخريف بعد تساقط عمّاتي واحدةً تلو الأخرى، فصار فصلي المفضّل، لم أعد أحبّ الفصول الأخرى، فوجودها مرتبط عندي بوجود عمّاتي، وغياب عمّاتي اختصر السنة كلّها عندي إلى خريفٍ دائم لا شتاءَ بعده ولا ربيعَ ولا صيفَ.
اصفرَ كلّ شيءٍ في نظري، وبهتت الألوان، وازداد الأمر سوءاً بعد أن غربت عنّي بلادي وصرت غريبةً في بلادٍ أخرى، أسمع وأشاهد دمار تلّ الورد، أرى كل شيءٍ فيها يذبل ويتساقط ويموت مثل أوراق الخريف.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد