معروف ومقروء أبو العتاهية.. معروف إنساناً زاهداً، على اختلاف بين الدارسين حول مصداقيته في هذا الزهد. ومعروف شاعراً طوع اللغة والوزن طواعية ما تأتت لغيره من الشعراء، وظفها لموضوعه الأثير الذي وقفه على ذم الدنيا، والدعوة الى نبذها والتعفف عنها، والإقبال على صالح الأعمال، إيثاراً للآجلة على العاجلة.

هذا ما يعرف على وجه العموم، أما على وجه الخصوص فوراء الشعر ما وراءه، وهو الفن الزاخر بما يتواشج في اللغة والخيال والموسيقى من رؤى إنسانية واعتلاجات نفسية، ومرامي فكرية، تفصح في مجملها عن الذات الشاعرة في خضم عصرها، وكيف تماوج ما في هذا الذات مع ما في الواقع المشمول بذلك العصر.

ولمقاربة كاشفة عن منطويات الشعر وعما توارى وراء موضوعه وأسلوبه ليس امامنا الا الدرس المعمق المتخصص، ليضع فانوسه السحري، ويرينا من الشعر ما لم تكن نرى من قبل، وهذا ما فعلته الباحثة الدكتورة آمال النخيلي في هذا الكتاب، حين صبت جهدها لتسليط الضوء على الذات الرائية في شعر أبي العتاهية. فكانت موفقة توفيقاً مبدئياً في اختيار (الرؤية) محلاً للدرس في النص، وبالتالي في الذات الشعرية، لما تحمله هذه المفردة من أبعاد تقع في صميم العملية الإبداعية، ثم كانت موفقة في ما ذهبت اليه، واستخلصته.

إنه كتاب يلبي شغف مثقف الشعر، أما الدارس والباحث فقد حظيا بمرجع لا بد منه.