ليس خافياً على أحد أن موضوع التنوير من المواضيع التي أسالت الكثير من الحبر في الفكرين الغربي والعربي على حدّ سواء، ولكنّ المعروف أن هذه المسألة قد حسمت أمورها في الغرب ووصلت إلى مقاصدها منذ زمن بعيد، ولكنّها في الفكر العربي لا تزال تعاني من التعثّر و"الإنسداد التاريخي"،...

ليس خافياً على أحد أن موضوع التنوير من المواضيع التي أسالت الكثير من الحبر في الفكرين الغربي والعربي على حدّ سواء، ولكنّ المعروف أن هذه المسألة قد حسمت أمورها في الغرب ووصلت إلى مقاصدها منذ زمن بعيد، ولكنّها في الفكر العربي لا تزال تعاني من التعثّر و"الإنسداد التاريخي"، ولأنّ الخطاب النقدي يتطوّر - على الدوام - بولوج السؤال الشائك فإنّنا من هذا المنطلق، نراهن على مثل هذه المواضيع التي تنفذ إلى الأعماق وإلى الضمير الإنساني، حيث بات الحفر في العقل العربي وفي واقعه المعاصر المرير الذي طال أمده أكثر من ملّح وضروري، وذلك في محاولة منّا لخلخلة المفاهيم السائدة عنه، وأملاً في المشاركة في الحضارة العالمية بوصفنا شركاء فعليين في صنع القرار لا تابعين فقط، ورغم الإقرار بأن الواقع العربي اليوم يعيش أسوء أيامه بسبب خيباته المتكرّرة على مختلف الأصعدة، إلاّ أنّه بالإمكان التخفيف من غلواء التشاؤم إذا تمّ ركوب موجة الإطاحة باليقينيّات البالية، وتمّ الإسترشاد بنور العقل.
يعكف القسم الأول من الكتاب "عصر الأنوار في فرنسا: قضاياه وأهدافه" على تتبّع حركة الأنوار في الفكر الفرنسي خلال القرن الثامن عشر، بأهمّ ما تحمله من أفكار فلسفيّة، إجتماعيّة، سياسيّة وإقتصاديّة.

في حين يحلّل القسم الثاني "جدليّة التنوير وتطوّره في ألمانيا"، أما القسم الثالث فيتناول "مدرسة فرانكفورت والتنوير: من السلب إلى الإيجاب"، وينصبّ إهتمام الكاتبة فيه على توضيح موقف مدرسة فرانكفورت بأجيالها الثلاثة من التنوير والحداثة؛ في حين يستعرض القسم الخامس من الكتاب "إخفاق المشروع التنويري العربي - واقع الحال، وشروط الإستنهاض" وهو قراءة في الفضاء التاريخي والفكري للنهضة العربيّة الحديثة، وما أحدثته "صدامة الحداثة" من رجّات في العقل العربي.

أما القسم السادس والأخير من هذا الكتاب والموسوم بــ"العقل العربي الراهن أمام عائق التحوّل"، فهو ينطلق من الإقرار بحضور أزمة عميقة داخل المجتمع العربي إن كان على الصعيد الأخلاقي، السياسي أو الإقتصادي، ورغم الجهود التي بذلت لإصلاحه وتغييره أملاً في التحديث إلاّ أن الأزمة ظلت إلى اليوم تراوح مكانها، بل وأكثر من ذلك إنّها تتعمق أكثر مع بداية الألفية الثالثة في ظل غياب مستمر للديمقراطية في الأنظمة السياسية وعدم تمتع الأفراد بحقوق المواطنة الفعلية.