إنّ الدراسات الأكاديمية الحديثة التي قاربت الشعر العربي الحديث لم تترك شاردة أو واردة يمكن أن تكشف عن ثراء هذا الشعر وغناه إلا وأتت عليه وعالجته بطرق مختلفة ومناهج متعددة، لكنه مع كل ذلك يظل قابلاً لمزيد من الدراسات والبحوث والمقاربات وذلك لضخامة المنتج الإبداعي فيه من...
إنّ الدراسات الأكاديمية الحديثة التي قاربت الشعر العربي الحديث لم تترك شاردة أو واردة يمكن أن تكشف عن ثراء هذا الشعر وغناه إلا وأتت عليه وعالجته بطرق مختلفة ومناهج متعددة، لكنه مع كل ذلك يظل قابلاً لمزيد من الدراسات والبحوث والمقاربات وذلك لضخامة المنتج الإبداعي فيه من جهة، ولأنه من جهة أخرى محتشد بكثير من القضايا والأفكار والقيم التي تستجيب لرؤيا العصر ومنطقه وفلسفته بما ينطوي عليه من تقدّم وتطور وتحديث وتجديد في المجالات كلها، إذ لا يمكن أن يكون الشعر وسائر أجناس الأدب الأخرى بمعزل عن هذا التطور والتقدم. وشئنا في هذا المضمار البحثي أن نختار لبحثنا هذا موضوعاً يهدف إلى مواصلة الحاضر بالماضي فيما اصطلح عليه بــ"المرجعيات"؛ واخترنا في هذا الصدد قضية "التوظيف الثقافي للمرجعيات" بوصفها آلية مهمة في الكشف عن طرائق التوظيف الثقافي وخصائصه الفنية والجمالية.
أما الأنموذج الشعري الذي وجدناه صالحاً لهذه المهمة البحثية فتمثل في تجربة الشاعر العراقي محمد مردان، وهو شاعر ثرّ وعميق له ست مجموعات شعرية جمعها في مجلد "الأعمال الشعرية الكاملة" بين عامي 1978م و2008م، وفيها إستعمال خصب للمرجعيات الثقافية على إختلاف أنماطها وألوانها وقضاياها.
ومن هنا، يمكننا القول إن سبب إختيار الموضوع يتعلق بالموضوع والشاعر معاً، فموضوع توظيف المرجعيات من الموضوعات التي لم يُسلَط عليها الضوء كثيراً في الدراسات الأكاديمية، والشاعر محمد مردان شاعر خصب تتيح قصائده فرصة بحثية كافية للتوغل في هذا الموضوع وتحليله.