شارك هذا الكتاب
طروس إلى مولاي السلطان، البرقع
(0.00)
الوصف
سيدي ومولاي السلطان قالت السلطانة: هكذا كانت تمر بها يومياتها رتيبة قائمة، في وجوم ويأس، أعلى قمة "العرقوب" المصطبغ بصفرة الذهب. جلست تداعب حبات الرمال، في اشتهاء أزلي لاختزال الروح في قيعانه المظلمة... حفرت حفرة صغيرة، حشرت قدميها بقعرها، وحثت الرمال الناعمة فوقهما، هكذا...
سيدي ومولاي السلطان قالت السلطانة: هكذا كانت تمر بها يومياتها رتيبة قائمة، في وجوم ويأس، أعلى قمة "العرقوب" المصطبغ بصفرة الذهب. جلست تداعب حبات الرمال، في اشتهاء أزلي لاختزال الروح في قيعانه المظلمة... حفرت حفرة صغيرة، حشرت قدميها بقعرها، وحثت الرمال الناعمة فوقهما، هكذا يكون بمقدورها أن تستشعر الدفء والحنو معاً... دفء ترغبه بشدة وإن كان في عصر ظهيرة صيف تتوسد الشمس رماله المتموجة والمتلألئة بالذهب الواهي!! اقتربت منها جارتها "شواخ" تكاد تصطدم بعقدها العشرين مضاعفاً، ذات قدّ طويل، جمالها يكاد ينزّ نزاً من خلف "البرقع" الذي يغطي نصف وجهها، تحمل بين يديها طفلها الرضيع "عبد الله" باغتت حصة التي لم تفطن لحضورها، انتفضت واقفة، تبادلت التحية مع جارتها التي تكبرها بسنوات قليلة، وتحاول جاهدة التقرب منها لخلق نوع من التمازج، بيد أن الأخرى لا تمكنها من الاقتراب أكثر من اللازم، فهي بالكاد تتعرف اليهم بحذر وحيطة شديدين، مغبة ارتكاب زلة مع هذه أو تلك توجب عقوبة أو لوماً من والدها أو عمتها طماعة فتكون نتيجتها وخيمة عليها من قريب او بعيد. لم تكد تفرغ من تبادل التحايا مع شواخ إذ بأخرى تلقي التحية، كانت "محيلة" امرأة في عقدها الخمسين عديلة شوارخ وشقيقه "غدير" والد زوج حصة... جلست شوارخ... وأشارت لحصة بالجلوس: اجلسي يا حصة.. لكن ألا ترافقين عمك وعمتك الى العزبة؟ غالباً ما ترافقهم "فطيم" وأتولى أنا شؤون المنزل التي عليّ انجازها... هيا بنا، سأعد قهوة ريثما تحضِّر عمتي وعمي من عند "الدبش". بارك الله فيج يا بنيتي، قهوتنا وتمرنا في السيارة... ما رأيك يا حصة لم لا ترافقينا الى العزبة. حين وصلوا لقرية "غدير"، بدا على "طماعة" الغضب الشديد، فلم تستطع كبح جماح غضبها، نهرت حصة ووبختها... هضمت حنقها على عمتها طماعة، فشدّ ما كان يحرجها بأن توبخها أمام الغرباء... لكأنها في حلم طويل، لا شك لن تستيقظ منه قبل مضي سنوات جميلة من عمرها لن يجور الزمان عليها يوماً، أما دموعها فقد تخلصت منها بتاتاً، تعلمت كيف تزجرها لتعود ناقصة أدراجها الى حيث موضع آخر لم يكن لها من خيار غدا قلبها، سوف يستوعب مجرى دموعها لسنوات عدة، قد تطول بها حتى تصل الى نهاية المطاف... تناهى خبر وقوع حادث لأولاد شقيقة طماعة... فور أن جاء الخبر لطماعة طلب من حصة مرافقتهم لعيادة المرضى، لم توافق حصة، بحجة أنها لا تعرفهم... غضبت طماعة غضباً شديداً وأمرتها بحمل صناديق الفاكهة إلى "السوزاكي"... حملت الصناديق بينما لعنات طماعة تكتال لها حتى ابتعدت السيارة.
بعد مجيء طماعة من بيت شقيقتها أحدثت شجاراً كبيراً لحصة اذ وجدت بقرة في باحة المنزل... لاذت حصة بالصمت وهي تتطلع الى سور المنزل المتهالك اذ لم يكن عدا أسياخ وألواح خشبية تم ضم بعضها لبعض وعقاباً لها توجب عليها اصلاح الشبك. وكان نتيجة ذلك جرحاً غائراً في راحة كفها الأيمن، أشفق عليها عمها غدير وأخذها الى المستوصف... تم ادخالها مباشرة... حيث لحق بها الطبيب المصري "محمود" كانت تعرفه قصيراً ذا كرش وأصلعاً تراه للمرة الاولى بعد زواجها اذ كانت تحضر بصحبة والديها وأخوتها فيما سبق، من اسمها تعرف اليها مندهشاً بعد ان رآها بالبرقع ولم يكد يتعرف عليها، قال لها متسائلاً: أيعقل أهي أنت الطفلة الصغيرة حصة بنت الوالي جمعة...؟! هذا البرقع طمس كل العالم طفولتك، تزوجت يا بنت؟ أجل يا دكتور. والله حرام... أنا أرى العجائب في هذه البلد، ربنا يعينك يا بنتي، ما زلت في المرحلة الابتدائية، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...".

طروس تدبجها سارة الجروان الكعبي، ربما هي موجهة حقاً الى السلطان... تحدثه فيها ما وقع ويقع في تلك المنطقة الصحراوية النائية والمتاخمة لمنطقة "الذيد" في "فريج" حيث انتهى بتلك الفتاة الصغيرة والصغيرة جداً، والتي كانت ما زالت في المرحلة الابتدائية تتابع دراستها، انتهى بها الأمر الى زيجة ثانية لا تختلف كثيراً عن سابقها الا انها انفضت بكارة طفولتها واستلبت منها ارادتها في حقها المشروع في الحياة.
التفاصيل

 

الترقيم الدولي: 9786140109964
سنة النشر: 2013
اللغة: عربي
عدد الصفحات: 208
عدد الأجزاء: 1

 

فئات ذات صلة

التقييم والمراجعات
0.00/5
معدل التقييم
0 مراجعة/ات & 0 تقييم/ات
5
0
4
0
3
0
2
0
1
0

قيّم هذا الكتاب




هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟

مراجعات الزبائن

لا توجد أي مراجعات بعد

متوفر

يشحن في غضون

المصدر:

Lebanon

الكمية:
تعرف على العروض الجديدة واحصل على المزيد من
الصفقات من خلال الانضمام إلى النشرة الإخبارية لدينا!
ابقوا متابعين