كل كتابة جيدة هي اختراق، هي إزاحة عن مركز وسياق وتقاليد، وتخطي عتبة إلى منطقة بكر، وقادرة وجودية لم يسبق لأحد ولوجها، ولقد أراد أديب كمال الدين، بطريقته الخاصة، أن يحقق هذا مطلاً على مديات الإبداع من نافذة الحرف، لتصبح قصائده تجربة ذات ملمح صوفي عرفاني بطاقة شعرية خلاقة....
كل كتابة جيدة هي اختراق، هي إزاحة عن مركز وسياق وتقاليد، وتخطي عتبة إلى منطقة بكر، وقادرة وجودية لم يسبق لأحد ولوجها، ولقد أراد أديب كمال الدين، بطريقته الخاصة، أن يحقق هذا مطلاً على مديات الإبداع من نافذة الحرف، لتصبح قصائده تجربة ذات ملمح صوفي عرفاني بطاقة شعرية خلاقة. وصحيح أنه ليس الوحيد الذي فعل ذلك، من بين الشعراء. لكن فرادة تلك التجربة وسعتها والتي غطت معظم مساحة منجزة أسَست لمشروع إبداعي ثري ومميَز. فما كتبه ليس كشوفات مجردة في عالم الحرف، أو تقليداً مفتعلاً لبعض نصوص المتصوفة التي جعلت من الحروف مفاتيح لفك ألغاز الخلق، وإنما مغامرة دخول على صهوة الحروف إلى متون العالم واستجلاء قوة الحروف وجمالياتها في علاقتها بالكائن والما وراء والزمان والمكان والجسد والروح والحرية والحب والموت. هذا الكتاب، إحتفالية سارَة يقيمها مبدع اسمه صباح الأنباري على شرف نصوص مبدع آخر تسمه أديب كمال الدين، وهو كذلك ليس نصاً اعتباطياً شاحباً عن نص آخر، ولا حتى نصاً على نص.. إنه نص متولَد من نص آخر، هو نص أديب كمال الدين، يقرأه ويضيئه، يكشف معانيه وظلال معانيه.. يصل إلى قيعانه، وإلى عتماته، ويستنطق ما أخفاه، ما أضمره وحجبه، ما سكت عنه.. نص يحفَ بالنص المقروء ويحتضنه أكثر مما يتقدم عليه أو يعقبه.. يتماهى معه، يعكسه وينعكس فيه.
وهذا الكتاب لا يمكن عدَه محض قراءة انطباعية لقصائد شاعر.. إنه أوسع أفقاً وامتداداً من ذلك على الرغم من الحضور النسبي للرؤية الإنطباعية فيه أيضاً، وهو ليس نقيصة على أيه حال.. فأن تجعل من كتاب نقدي دعوة حقيقية لقراءة تجربة مبدع ما فلا بد من لمسات انطباعية تمنح الكتاب رونقاً وطراوة ودفئاً وقوة إغراء.