توجد الموسيقى الشعور لا تنعكس عن أي شيء آخر.. تجعلك فرحاً، وتزرع الحزن بقدر ما تطلق الحماس وتظلّك ().. منها ولها وضع هذا الكتاب الذي تمت كتابه بحوثه ودراساته ومقالاته تحت وقع دور الموسيقى والغناء في النفس البشرية وأثرها في مدار ثقافاتها وحضاراتها، وربما ظلّ الحاح التمتع والترقب لهذا الأرشيف والذاكرة هو الدافع الخفيّ المعلن وراء انجاز كل هذا.. الفص الأول منه مقدمة منفتحة لاكتمال لا ينتهي لرصد الريادات والعلاقات لنساء غرسن حناجرهنّ في تراب وماء ونار الجزيرة العربية، وقد جاءت بمثابة مقدمة تحكي عن نساء الجزيرة في الأمهات إلى المحبوبات، ومن الأخوات إلى الفاتنات، فهي قراءة للنون.. نون الحياة في الإنسان.. والفصل الثاني جاء من رحم كتاب متسع عن فن السامري وتاريخه، حيث شكّل هذا الفصل محاضرة حول فن السامري كونه أحد الفنون التي تمثل مناطق وسط وشمال وشرق الجزيرة العربية. الفصل الثالث هو بمثابة إتمام لمسيرة من شخصيات صناعة الأغنية في الجزيرة العربية منذ منتصف القرن العشرين، وإذا كان المؤلف قد تناول تجربة تمثلها، وهي تجربة عبد الكريم عبد القادر في كتاب سابق، قم مروره سريعاً على كلّ من تجربتيّ: سناء الحزاز وهدى عبد الله، وهما من جيل لا حق للحداثة في غناء الجزيرة العربية، فهو يعود في كتابه هذا أيضاً إلى أسماء أخرى تركت ظلالاً لا تمحى وما زالت فاعلة رغم وفاة الأول طلال مداح، واستمرار كل من رباب وخالد الشيخ وعارف الزياني.. وعلى هذا يمكن القول بأن قراءة تجربة في جنجرة هي قراءة حضارية لتعبّر عن وجوه التفاعل والتواصل بين المجتمعات البشرية فما تملكه قفافتها وتقاليدها متداولة اتصالاتها المرئية والشخصية والمكتوبة الشبكية. وأخيراً فإن الكتاب يحاول في تركيز على شؤون الغناء في الجزيرة العربية من خلال مسيرة تغطي القرن العشرين بمقدمتين تحضى كل واحدة منهما عناء الرجل والمرأة، وما كان داعي الفصل لدى المؤلف، بين النوعين إلا لأسباب بحثية صرفة، كما هو مبرر أيضاً اختيار فن السامري هو طريق لإمكانية الانفتاح على الفن الغجري أو فن المجرور أو فن الدان وسواها.. وأما اختيار تجربة كل من طلال مداح ورباب وخالد الشيخ، فهو مقصود لنتائج تكشفها عن كل واحد منهما الدراسة الموضوعة عنه، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطبعة التي بين يدي القارئ هي الثانية لهذا الكتاب الذي حقق دراسة موضوعية تاريخية لنماذج غناء الجزيرة العربية، متخطياً البحث التاريخي من حيث اتجاهه إلى النقد التطبيقي الي يوظف أكثر من علم ونظرية.. فكل نقد أو دراسة في الفنون الأدائية هي مجمع نظريات وعلوم عدة، ولا تبعد في صلتها عن الآداب على اختلافها.