"وهم يقاتلون معك بصفتك الإنسان المتفرغ للكتابة، قصة، رواية، مقال يصرف النظر، يخالونك قادراً تكتب قيد الطلب، ولا يدركون أن مجرّد التفكير بالكتابة وصدر كآبة مؤهلة تدوم ما دمت تراوح ضمن مرحلة الاستعداد ما بعد الاتصال الهاتفي لإبراهيم فرغلي تواترت فيك هواجسك، كيف لي في الوقت ذاته أحسستك إزاء جالة أشبه بالتحدّي. أكتب أولا أكون. ما هي إلا بضعة أيام ثم تواجه باتصال أحدهم. الملف متوقف على تسلّمنا نصّك. الإلحاح مرتبة طموح، لكن الاستجابة مرحلة مغيبة، لو كان الأمر مرهوناً بك. بذلت جهدك ناوشت فكرة شاغلتك منذ عشر سنوات، يصدف تزحم لك واجهة ذهنك أياماً أو أسابيع، ينفذ بعدها صبرك تجاهها يضطرها تتوارى وراء لتعود إلى واجهة ذهنك بعد أحد، الفكرة الملحة والمعذبة لك أن تكتب قصة عن أخيك بدر حيث هو في الأسر.. ورود الفكرة يخنسك من داخلك، أو في داخلك. الأسر كلمة مفردة معرّفة، تعريفها لا يعني إدراك ما الذي تعنيه شعورياً وواقعياً حتى لو كنت معنياً لأنك أخ شقيق لأسير محدد. تذكرت أخبت نفسك مرّات عدّة، إحساسي الحادّ والمؤلم بالفقدان كفيل أن يحفزني أن أكتب وأواصل الكتابة لحينٍ آن، الذي حدث في المرات العدّة أنت لم تستطع تجاوز مرحلة استذكار الألم.. إشهار الحزن ليس من قيم البعض ولا تجزم إذا ما كانت شيم الكتاب تسمع، تأخذك مشاغل الحياة بعيداً عنك لأيام، أسابيع، ليصادفك حدث ما، لقاء شخص اسمه بدر، الارتباط الشرطي بين كل ما له صلة بسلك القضاء أو ذكرى عائلية مشتركة. يا أنت، من أين لشرط جرّاح، يباغتك يلامسك، ولا تشعر خلال الثواني الأولى بالذي ينتابك، لتجدك بعدها نازفاً فيك. تتذكر مقولة اعتدت ترددها على مسامعك، الزمن مؤهل يخفف حدّة الحزن، يشفّ بها، يصير هو والأسباب الداعية؛ ذكرى يهف لها القلب دون مضاعفات خارج الإرادة. حصيلتك الحقيقية أن حزنك لم يخفّ، لم يشف، أسبابه الداعية باقية حاضرة؛ كأنها الآن بلدك تحررت من احتلال عربي دام سبعة أشهر بتحالف عالمي قادته الولايات المتحدة، والاستنتاج الذي يلحّ على وعيك. تحرير بلد ما يقتضي تحرير ناسه الذين علّقوا في الأسر. اليوم، شأن أمس، عطلة رسمية مطلقة، عيد التحرير أو ذكراه العاشرة لا فرق. الفرق أن الأيام التي أعقبت التحرير جاءت مزدحمة لدرجة توصف بانشداده المنتصر، الحكومة التي أقامت في المملكة العربية السعودية زمن الاحتلال عادت للبلد بعد أسبوع من تحريره لتنتهك كلياً بمواجهة معضلات وطنية ملحّة، تتمثل بإطفاء حرائق آبار البترول التي جاوزت الثمانمائة أولاً، إزالة آلاف الألغام المبثوثة في الأرجاء الكويتية أولاً، ترميم أو إصلاح... أولاً.. توفير سبل إعادة كويتيين تشتتوا طوال شهور الغزو.. أولاً الأسرى شأن يصار لمعالجته، ثانياً، الأسام أسابيع والأسابيع أشهر، والأشهر سنوات، العسكريون ممن أسروا خلال اليوم الأول للاجتياح عادوا على دفعات متفاوتة.. مئات من أسرى آخرين صادف وجود منشآت سجونهم في محافظات عراقية لم يشملها طوفان الانتفاضة الشعبية. علينا العوض، أياً كانت صيغة انشغال أصحاب الشأن بأمور لا تحتمل التأجيل، يبقى السكوت على الألم عامل ألم مضاعف".. لم تنته".. حكاية الأسرى عند هذا الحدّ.. يتابع الكاتب بخياله تتبعها.. يكتبها.. ويتم نشرها في العدد الأخير من مجلة العربي في حينه خطوة جريئة تحسب لرئيس تحريرها، وتحسب للكاتب تما تعنيه من إخلاصه لقضيته.. قضيته المتمثلة أسر أخيه والذي، عبر مرور لسنين ظلّ أسيراً داخل السجون العراقية.. لم يستطع الكاتب إلا أن يرحل بخياله ليرصد حياة أخيه الأخير داخل السجن فيسطرها واقعاً يروي حياة الأسرى في السجون.