في الصباح ألقيت نظرة على المرآة قبل أن أخرج إلى العمل، فاجأني نحول ساقيّ وألوان مكياج وجهي الصارخة لقد اعتدت نظرات الناس المزدرية للون شعرس الأشقر، ولون الشفاه العنبي حتى في ساعات الصباح الأولى. هذا القناع لا يخفي حقيقتي على الأقل، فأنا أضعه قاصدة، منذ طلاقي أصبحت أهتم...
في الصباح ألقيت نظرة على المرآة قبل أن أخرج إلى العمل، فاجأني نحول ساقيّ وألوان مكياج وجهي الصارخة لقد اعتدت نظرات الناس المزدرية للون شعرس الأشقر، ولون الشفاه العنبي حتى في ساعات الصباح الأولى. هذا القناع لا يخفي حقيقتي على الأقل، فأنا أضعه قاصدة، منذ طلاقي أصبحت أهتم بمزاجي الخاص فقط، وأرى الدنيا بعين جديدة. لقد بدت الأشياء بحجمها الطبيعي تماما لا أكبر ولا أصغر، وأصبحت أشعر أن الدنيا ملكي أنا. اتخذت طريقي إلى الوزارة عبر الشارع الفرعي، فهو أقصر حتى لو بدا أكثر ازدحاماً بالدكاكين من كل صنف، لكنني كنت هادفة ومستعدة كما أسلفت لتلقي نظرات وتعليقات رجال مدينتي المكبوتين بلا مبالاة.. أنا سعيدة لأن منزل أهلي على صغره وتواضعه قريب من مركز المدينة.. السوق قريب.. الوزارات قريبة.. هذا يوفّر عليّ أجور المواصلات كل صباح ومساء أثناء ذهابي وعودتي من العمل. صعدت الدرج الرخامي العريض واجتزت باب الوزارة، فرأيته يقف في أحد الأركان يراقب دخولي بصمت، كان عريض المنكبين، عريض الشاربين ، حاولت أن أعطيه عمرا وأن أزيد قليلا عن سنوات عمري الخمس والعشرين، ولكنني عندما صرت بجانبه صدمتني براءة عينيه وصدق نظراته، قد يكون في السادسة والعشرين، من يدري؟ لم أسلم عليه ولم يسلم عليّ، اكتفى بمتابعتي بنظره حتى آخر الممر المظلم المؤدي إلى غرفتي. كانت غرفتي على صالة واسعة جدا.. لأم أحصي عدد الموظفين في غرفتي.. ولكنهم جمع غفير على كل الأحوال.. أنا مكاني بين هالة، زميلتي على اليمين وهي حامل في مرحلة متقدمة، وبين صباح زميلتي على اليسار، وهي محجبة تحاول اخفاء أكبر قدر من جمالها تحت الحجاب دون أن تفلح.. وكلما تمعنت فيها أكثر شعرت أن نصف هذا الجمال كان يكفيها لتعيش سعيدة.. أنا أحاول أن أفعل شيئاً لتجميل وضعي وسط هذه الدنيا التي تعترف بالجميلات، بالنبيهات، بحاملات الإجازات الجامعية وبكل المتفوقات، نعم.. وأنا؟ وعيت على الدنيا فوجدت نفسي هكذا.. لوني أسمر ولكنها سمرة تميل إلى اللون البني وليس إلى الأصفر.. عيناي صغيراتان جداً، وأنفي طويل جداً، أما وجهي فصغير جداً ليتسع لكل هذه التفاصيل.. رفعت عيناي عن آلة الكتابة، أردت أن أستريح وأفكر ما العمل بعد ذلك؟ بعد أن نشبع من تبادل النظرات، ثم نبدأ بالسلام ثم نتكلم عن كل شيء قليلاً، ثم أضطر للبوح بأنني مطلقة، دائما أصل إلى هنا.. أصل إلى هنا.. لو كنت أجمل قليلا عندي شهادة جامعية، لو كان معي مبلغ من المال، ولكن لا شيء.. لا تعويض عن شيء في هذه الحياة. زوجني أهلي منذ كنت في السابعة عشر، كان زواجي مثل حلم جميل. طبعاً كانت صدمة للجميع، فتاة في مثل بشاعتي تحظى بعريس! أيا كان هذا العريس لا يهم، فهو رجل على أي حال. كان أهلي أول المصدومين بالحدث السعيد، رجل يخطب لينا، طفلتهم العاهة! يا رب تكمل على خير..". حكاية لينا وحكايات تسبقها وأخرى تأتي في ركابها لتشكل في مجملها صورة لنساء مقهورات في مجتمع أبى الاستهانة بالمرأة.. بكيانها.. بحقوقها.. ورجل فوقي لا يعترف بسوى نفسه.. إلا أن الصورة تأتي متكاملة لنرى في زوايا الحكايا نساء يشكّلن عنصراً أساسيا في التسبب في ظلم المرأة نفسها وبنفسها لنفسها.. مجموعة قصصية يمضي بها القارئ منها مسترسلا مع أحداثها منفعلا مع بطلاتها.. وأحيانا مع أبطالها.. مكونا في ذلك كله قناعة بأنها تحمل في طياتها.. حقاً.. يوميات مستفزة.