صباح جديد من صباحات ربيع عمان يبدؤه ضياء بالتجول في أرجاء المدينة التي أحبها منذ صغره حيما كان يزورها بصحبة والده وعائلته. زارها قبل أسره ففوجئ أن يجدها غير عمان الأمس، المدينة الصغيرة وسط الصحراء القاحلة، أصبحت مدينة عامرة بأبنيتها الأنيقة وحدائقها الخضراء تحيطها من كل...

صباح جديد من صباحات ربيع عمان يبدؤه ضياء بالتجول في أرجاء المدينة التي أحبها منذ صغره حيما كان يزورها بصحبة والده وعائلته. زارها قبل أسره ففوجئ أن يجدها غير عمان الأمس، المدينة الصغيرة وسط الصحراء القاحلة، أصبحت مدينة عامرة بأبنيتها الأنيقة وحدائقها الخضراء تحيطها من كل جانب غابات تستقبلك منذ مغادرتك المطار الذي جرى توسيعه وتحديثه وإضافة بنايات وفنادق ومقاهي إليه، وحتى وصولك قلب عمان. الآن هو يزور عمان هربا من عمليات القتل والإفناء التي تعم العراق يجدها وقد تخلت عن جمالها وأناقتها لتعيش فوضى عارمة. فالازدحام في كل مكان وآلاف السيارات تنفث سمومها لتستقر في رئة المقيمين فيها... البشر يطلون عليك بوجوه حزينة كآبية وعيون غائرة وأفواه جائعة. ساحتها الهاشمية التي أصبحت مأوى للفقراء من العراقيين منذ أن فرض الحصار على الشعب العراقي... والهاربين من قوات الإحتلال... هذه القوات التي تتلق النار على السكان بسبب أو بغير سبب... قوات مذعورة في رجال يرتدون الظلمة...البعض منهم يستهدف هذه القوات ويكبدها خسائر كبيرة...وآخرين كانوا ينشرون الموت بالعبوات الناسفة على أجسادهم ليفجروها بالأبرياء من طلبة المدارس... والعمال الذين كانوا يقفون طوابير في انتظار الرزق.. ليعيلوا عوائلهم الجائعة والمريضة... ليعودوا إليها أشلاء ممزقة... هؤلاء كانت حصتهم وافرة من هذه الإنفجارات. قبل أشهر من مغادرته الأردن... كان في شارع العامرية الرئيسي ليتسوق لعائلته وما إن اقترب من بائع الخضرة والفواكه وإذا بصوت يصم أذنيه... أحس بالموت يحمله على أجنحة الجحيم ليسقط بعيدا عن مكان الحدث... دقائق... أو ساعات... غاب فيها عن الوعي... سمع صوت رجل الإسعاف يأتيه من بعيد.. يقول له الحمد لله على السلامة. أصيب بجروح طفيفة عالجها له رجل الإسعاف وهو يمنحه ابتسامة... عاد إلى الدار لتسأله زوجته رحاب عن الذي جرى له...كذب عليها وأخبرها أنه سقط في الشارع ليصاب بهذه الجروح... كذبة بيضاء... قبل شهرين وهو في ساحة النور في طريقه إلى المنصور لمقابلة صديق له حدث الإنفجار الثاني في سجل الإنفجارات التي شهدها أو كان ضحيتها... وهذه المرة لم يستفق إلا بعد أيام وهو ملقى في جناح المرضى في مستشفى اليرموك... هذة المرة لم يستطع أن يقدم لزوجته كذبة بيضاء بل اتصالا هاتفيا... جاء صوتها من الطرف الآخر محمّلا بالقلق والخوف...ما إن سمعت صوته حتى انفجرت بكاء مستمر... أخبرها أنه بخير وهو راقد مع بقية المصابين في مستشفى اليرموك... انقضت نصف ساعة ليجدها بالقرب منه وهي تحتضنه وتقبل يديه... جلست بقربه تقرأ القرآن وتشكر الله على نجاته... بعد أيام من رجوعها إلى الدار... جاءت تقول له: "علينا أن نغادر أرض الموت هذه... هذا الوطن الذي أسرت أنت من أجل الدفاع عنه... وسقطت أنا في وادي الجوع والحرمان طوال فترة أسرك... هذا الوطن الذي لم يعد آمنا.. علينا الآن أن نترك إلى الأردن..." رواية تحكي قصة وطن مثخن بالجراح... بل هو الجرح كله... يعود الكاتب إلى الوراءإلى حياة عاشها في وطنه العراق الذي ترعرع في رحابه وشرب من مياهه... يعود ليسطر تاريخ هذا الوطن منذ بزوغ أول حضارة عرفها الإنسان وهي الحضارة السومرية، إلى أرض كانت من إمبراطوية امتدت على طول العالم وعرضه... ألا وهي الدولة العباسية والتي تمكنت من إنشاء أول دار للحكمة التي كانت منتدى للعلماء والأطباء والفلاسفة الذين نقلوا هذه الحضارة إلى بقاع الإمبراطورية ثم إلى أوروبا. الوطن الذي عاش أبناءه تاريخا قلقا ومظلما، منذ سقوط الإمبراطورية العباسية على يد المغول والتتار لتكون أرضا تناوبت على إحتلالها وافقارها وتجويعها عدة أمم ابتداء من السلاجقة والعثمانيين والإيرانيين، لتحل من قبل بريطانيا.. ومن ثم تناوبت عليها انقلابات عسكرية وتاريخ تجسد في سلسلة من الحروب الخارجية والداخلية لتؤدي هذه الإنقلابات إلى والحروب إلى احتلال العراق من قبل أميركا التي عبثت بالإنسان والأرض ولم تكتفِ بذلك، بل سرقت آثار وتاريخ العراق.. وبعبارة أخرى فإن هذا العمل الروائي سيكون تاريخا لهذا البلد خلال نصف القرن الماضي ولحياة العراقيين خلال هذه الفترة، خاصة عوائل الأسرى العراقيين خلال الحرب العراقية الإيرانية.. يعود الكاتب بالذكرى إلى عهد قريب حيث عاش وجيله حربًا مع إيران استغرقت ثمانية أعوام خرج منها العراق مثقلا بالديون وبأكثر من مليون شهيد ومعوق ومائة ألف أسير سيكونون محور هذه الرواية التي يحاول الكاتب من خلالها تجسيد آلامهم وعذاباتهم.