يتناول هذا الكتاب نماذج من المشاريع الفلسفية المعاصرة في نقدها للمنظومة السياسية الغربية ولسياساتها الداخلية والخارجية، سواء تعلّق الأمر بتوجيه النقد للبنية الأساسية لمنظومة القيم الأخلاقية، أو للمؤسسات الإجتماعية وما يعتريها من فساد انعكس بشكل سلبي على سمعة الغرب، أو...
يتناول هذا الكتاب نماذج من المشاريع الفلسفية المعاصرة في نقدها للمنظومة السياسية الغربية ولسياساتها الداخلية والخارجية، سواء تعلّق الأمر بتوجيه النقد للبنية الأساسية لمنظومة القيم الأخلاقية، أو للمؤسسات الإجتماعية وما يعتريها من فساد انعكس بشكل سلبي على سمعة الغرب، أو في كيفية تعاطيها مع القضايا الإنسانية في الداخل والخارج وازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بالمصالح السياسية للغربيين. ولكن المرء يلاحظ أن ثمة محاولات جدية لتناول الواقع السياسي الغربي ومنظوماته – تلك التي تفرض إكراهاتها – بالتحليل والدراسة والنقد من طرف جملة من الفلاسفة الذائعي الصيت في الغرب في القرن العشرين، الذين راحوا يستنفرون أدواتهم المعرفية أملاً منهم في الإصلاح واستئناف الخاطب الغربي بمسارات جديدة ومختلفة عن ذي قبل، وخلْع المشروعية عن الكثير من التنظيرات. وكان في حكم البداهة تقديم فلسفات بديلة تساهم بشكل أو بآخر في شجب الحماقات السياسية القائمة وصرف النظر عنها، ومن الواضح جداً أن المسار النقدي ذاك تميّز بصياغة جريئة لبعض الأطروحات، وبحجاج عقلي وجيه يستحضر المرجعيات التاريخية والفكرية من جهة، وبعيد توظيف مضامينها ومدلولاتها من جهة أخرى، ليتوقف لاحقاً عند اللحظة الراهنة فيفكك مآلاتها، من أجل عبور آمن إلى المستقبل الإنساني المنشود. في هذا السياق تندرج المقالات التي يعالجها هذا البحث، إذ نستعرض بعض أهم القضايا التي تم طرحها ومناقشتها من طرف: راسل، فوكو، أرندت، راولز، هابرماس، جرامشي، بوبر، وشينغلر، الذين ساهموا في نقد المؤسسات السياسية والإجتماعية الغربية والسياسات القائمة مستباحة وعلى شفير انتهاك عظيم. وقد أدى التجاسر، على طرح مثل تلك القضايا، بالبعض إلى دفع ثمن باهظ جرّاء مواقفهم تلك. هذا ومن الأهمية بمكان التذكير في هذه العجالة بأن نصوص هؤلاء المفكرين هي اليوم محل جدل ونقاش واسعين في أوساط الجماهير وبين النخب الثقافية والسياسية، وحتى في دوائر صُنع القرار الغربية والأمريكية. لقد اقتصرنا هنا على بعض النماذج وحسب، بغية معاينة الخطاب السياسي الغربي المعاصر وكيفية تعاطبه مع قضايا الداخل والخارج والإنسان والتاريخ، ولم يكن هدفنا هو الرصد التاريخي فق، ولعله من أجل هذا سوف لن يعثر القارىء في فهرسة الموضوعات على تسلسل كرونولوجي للفلاسفة موضوع الدراسة. فاختيارنا لبعض النماذج في هذا المقام من شأنه إعطاء صورة واضحة للمضمون الذي نود تحليله، وتوضيح الصورة التي نريد أن تنجلي ونحن نستحضر بعض أهم القضايا التي عالجتها الفلسفة السياسية المعاصرة، بما يحقق في نهاية الأمر الهدف المعرفي المُبتغى، الذي من أجله نسعى إلى إخراج هذا الكتاب.