نظرا لما يشكله كتاب الآراء للفارابي من أهمية في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية إلى يومنا هذا قمنا بقراءة نصه من جديد ومن منظور مختلف. مع إعادة تحقيقه ونشره على وفق آليات جديدة تعتمد المناهج العلمية في قراءة النص التراثي الفلسفي وربطه بالبنية الاجتماعية والسياسية والعلمية والروحية والاقتصادية التي ظهر فيها، وكيف لعبت هذه البنية مجتمعة في اتخاذ الفيلسوف الفارابي هكذا نمط من التفلسف والكتابة فيه. إذ أنّ الفارابي ظهر في كتابه هذا فيلسوفا يتمتع باستقلالية فكرية وفلسفية متميزة عما سبقه من الفلاسفة ولا سيما اليونانيينمن أمثال أفلاطون وأروسطو، وهو ما سعينا لإثباته في دراستنا المطولة عن الكتاب. هذا من جهة، ومن أخرى أسهمت دراستنا بإبراز قوة حضور كتاب الآراء للفارابي في الفكرين الفلسفيين العربي الإسلامي بشقيه المشرقي والمغربي، مع التوقف ملياً أمام فلسفة ابن باجة السياسية تبعا لكتابه تدبير المتوحد، وفلسفة ابن رشد السياسية تبعاً لكتابه تلخيص السياسة. وفلسفة ابن خلدون السياسية الاجتماعية تبعا لكتابه المقدمة، ولربما سيكشف هذا الحضور للفارابي في ابن باجة وابن رشد وابن خلدون الباب على مصارعها لما أراد أن يخوض غمار هذا المجال بالرد والنقض على كل من يعتقد بغنوصية وعرفانية الفلسفة المشرقية المتمثلة بالفارابي وابن سينا والغزالي، بأزاء برهانية الفلسفة المغربية المتمثلة بابن باجة وابن رشد. فضلا عن ذلك سنبحث في دراستنا هذه حضور الفارابي في الفكر الفلسفي الوسيط بشقيه العبري اليهودي والمسيحي اللاتيني.
إن دراستي هذه تهدف إلى فتح مجال البحث والدراسة لمن أراد أن يقوم بدراسة فلاسفة عرب مسلمين آخرين، ويكون ذلك على وفق ما أرى بتواضع، من خلال النظر إليهم من هذه الزاوية، زاوية اعتبارهم فلاسفة عاشوا زمناً وواقعاً يحفل بالتناقضات والإشكاليات على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والدينية والقيمية وغيرها، ولا ينظر إليهم على أنهم فلاسفة تأمليون لاهوتيون همهم الصراعات الفكريّة بين بعضهم البعض دون الإشكاليات المتعددة الأوجه.