ماذا أيضاً؟؟ أتذكر صوت "سعيد" يصلني من داخل قاعة الأساتذة: "أنا لم يخبرني "حماد" بأنه رشح نفسه للعمادة"، فتوقف وأرهقت السمع فسمعت "القرعي".لقد علمت أنه رشح نفسه الزملاء غير مرتاحين! هو رجل عنيد وعنيف ويخاصم الناس!! عقب "سعيد"، أنا متفق معك! وأنت هل رشحت نفسك؟؟... أنا قد أرشح نفسي...
ماذا أيضاً؟؟ أتذكر صوت "سعيد" يصلني من داخل قاعة الأساتذة: "أنا لم يخبرني "حماد" بأنه رشح نفسه للعمادة"، فتوقف وأرهقت السمع فسمعت "القرعي".
لقد علمت أنه رشح نفسه الزملاء غير مرتاحين! هو رجل عنيد وعنيف ويخاصم الناس!! عقب "سعيد"، أنا متفق معك! وأنت هل رشحت نفسك؟؟... أنا قد أرشح نفسي إذا ما طلب مني الزملاء! ودخلت، قرأت الإرتباك على وجه الرجلين قلت ضاحكاً: هذه حملة إنتخابية! من يريد أن أتنازل معه فليتفاوض معي!...
كم سيدفع الراغب في تنازلي له؟ ضحك سعيد: أعرف أنك لن ترشح نفسك، وأعرف أنك ستصوت لصالحي؟ تذكر مرة أخرى، التذكر يغسل النفس من أدران يسببها لها الآخرون، حزّ في نفسي أن يطعنني الناس في ظهري، أن يتولوا إبداء أحكام مفرضة في شخصي، أن يكون "حلول النادم"، أراد لي أن أكون متورطاً في قضية هو شاهد فيها مثلي، لكنه باع ضميره وغير شهادته، مقابل رشوة خلصته من قضية محاكمة بسبب عجز عن الوفاء بدين!!...
الزمالة وأخلاق المهنة، وظن أنه قد كان ذكياً وهو يداهن ويبتسم في وجهي كلما التقيته!! تذكر: إن عقلي لا يجد سبيلاً إلى النوم، يفكر! يسترجع شيئاً قرأه من قبل "أن الأرواح تتواعد وتتلاقى؟! كانت تلك الجملة عنواناً لمقال شرعت في قراءته منذ وقت وتساءلت: كيف؟؟ واستخلصت أن هناك حقائق لا يمكن نفيها ولا تأكيدها، يصدقها القلب وحده العقل الذي يعترف بقصوره وجهله اللامحدد ولا يصدقها، وقلت "هذا معناه أن ما يحدث بين الناس، مثل ما يحدث بينك وبين من تعرفه، شيء مستمد في الزمن، وما كان بين "مهدان" و"الأدهم" و"صالح المرسي" و"الراوندي" وبقية من عرفوه من البشر هو ما يفسر ما يحدث لي مع الآخرين في هذا الزمن! و"استفسرت" هل "صفية" تحمل روح روح "فاطمة" زوجة "صالح مرسي"؟ هل جارتي "ليلى" هي صاحبة الحانة في حكاية "مهدان" أو واحدة من جداري الخليفة؟...
كلٌّ يريد أن يغتنم ما لم يغتنمه من قبل أو يكفر عن آثامه؟ ذلك الكتاب مركون بين الكتب في غرفة المكتبة، ونسي، صامت وعاجز عن منحى اليقين وعن شرح أصل الزمن والكون والروح، ويبرهن لي بأني كنت حاضراً يوم خلق الإنسان والروح والعالم؟! الأَرِحْ نفسي! ولأترك الأسئلة تتكرر مع لحظات اليقظة والنوم وليلاً ونهاراً: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وماذا يحدث؟ وما الذي لم يحدث بعد؟؟؟...
لقد آن لي أن أتحرر من كل ما كُبت في ظلمات أعماقي، ويشحن الذات بالمزيد من الشك والإرتباب، ويبرر حقاً أن الحرب قائمة بين القوة والضعف، وينصحني بخوضها مع الخائضين، أو أنسحب منهزماً، ففي كل الأحوال لن أكون ملاكاً، ومواطناً في المدينة الفاضلة وهي مجرد خيال وأنا مجرد كائن مقذوف في نهر حياة تتجدد بالموت... وماذا أيضاً، آه "صفية" دائماً تريد أن تفهم وحين تفهم تودّ أن تقتنع، هي تعرف أني أؤمن بوجود إله منزه متعال، أحد صمد لا يحيط به علم، حي قيوم، ولكنها لا تجد سبباً يمنعني من أداء الصلوات التي تؤديها هي تعاتبني، ثم تصمت؛ بينما أنا أدعو نفسي إلى أداء صلواتي التي هي فعلُ شكرٍ وسعيٌ إلى أحسن العبادات بحركاتي وكلماتي ونظراتي وتنفسي و...
لكن "صفية" لا تقتنع بأني ما زلت أبحث عن لحظة اليقظة التي تقول لي "هذا ما يتوجب أن يكون..." هي تلك المرحلة وراء الأفق... وراء النفس... هي لحظة حصول اليقظة لحظة تأتي فجأة، نتيجة تعب الذات ومعاناتها، فتكشف النفس أنها كانت تعيش متشظية وترى الوجود وجودين اثنين، هي حاضرة في أحدها وترنو إلى الآخر، أو تنتقل بينهما، وتدرك أن العالم له ظاهر لا معنى له إلا أنه لا نظير خفي، وأن ما يجري الآن قد جرى من قبل وسيحدث آجلاً، وأن لا عبرة بتقسيم الزمن إلى ساعات صباح ومساء وليل ونهار؛ فالزمن نهر متدفق، والمكان أمكنة، والحياة شجرة تجدد أوراقها، وكل ورقة، حين تذبل وتسقط، تنمو ورقة أخرى تقول أنها هي التي ذبلت، وأنها لا تزال حية دائماً، وأن لا شيء ينقص أو يزيد، ولا شيء يضيع وينسى في الكتاب الأول الذي خطه قلم الخالق الواحد الأحد.
من أجل ذلك يعرف الإنسان في لحظة اليقظة، بعد أن يحلم ويتخيل ويتذكر، أنه يمتلك القدرة على التأمل الكاشف والمفضي إلى المعرفة والحكمة... اليقظة معرفة وحكمة... والأنانية غفلة وحجاب مانع من اليقظة...