-
/ عربي / USD
عبد الواحد براهم مؤلّف هذا الكتاب أديب تونسي من مواليد بنزرت عام 1933، يسهم في حركة بلاده الثقافية منذ خمسين سنة، سواء بالتدريس أو إدارة الأنشطة الثقافية (وزارة الثقافة، مجلّة الفكر، اتّحاد الكتّاب، منظمة الألكسو)، أو بالكتابة الأدبيّة في الصحف والمجلاّت.
في هذه الرحلة المتخيّلة نصيب وافر من رؤى الكاتب وتصوّره للأحداث وإعادة تشكيل للشخصيات الأساسيّة، لكن المنطلق الأساسي تاريخي أصيل، والحدث القادح واقع عاشه أناس حقيقيّون وذاقوا حلوه ومرّه. ففي سنة 1599 فرّ الفقيه والمترجم الأندلسي أحمد بن قاسم الحجري (كنيته الشهاب واشتهر بإسم أفوقاي) من مدينته غرناطة هاربا من متابعات ديران التفتيش، ولجأ بعد أن غامر. بحياته في البحر والصحراء إلى سلطان مراكش أحمد منصور الذهبي فوظّفه مترجما بديوانه، واستمرّ يقوم بالمهمّة نفسها مع ابنه زيدان الذي أرسله في سفارة إلى فرنسا لمقاضاة بعض القراصنة الإفرنج.
قضى الحجري سنتين منتقلا بين عدّة مدن بفرنسا وهولندة، ووصف لنا بعد عودته مشاهداته وحواراته بدقّة وبأسلوب طريف. ولما تقدّمت به السنّ وفسدت أحوال الدولة السّعديّة، استأذن في الذهاب إلى الحج، وفي نيّته الاستقرار عند العودة بتونس، لما بلغه من حسن استقبالها للاجئي الأندلس.
عرف الحجري مدنا كثيرة، بعضها في موطنه الأصلي مثل الحجر الأحمر مسقط رأسه، وغرناطة وطليطلة وإشبيلية حيث تعلّم وإشتغل، وبعضها الآخر في العدوة الإفريقيّة مثل مراكش التي خدم سلاطينها وترجم لهم بعض الكتب.
لكن أطرف ما يؤثر عن الحجري أخبار سيرته ومغامراته، لأنّها رجع وفيّ لصدى الأحداث الكبرى في عصره. فمقامه في غرناطة كان عقب إخماد ثورتها وتشريد سكانها العرب مباشرة، أي في أوج نشاط ديوان التفتيش وتخطيطه لحملة الطّرد النهائي. ثمّ ترافق وصوله إلى مراكش مع أزهى عهود الدولة السعديّة، كما ترافق خروجه منها مع أظلم تلك العهود. وفي فرنسا زار باريس وبوردو، وروان، وتولوز، وأولون، وجرت له فيها وقائع ودارت بينه وبين شخصياتها المهمّة نقاشات علميّة ودينيّة. ثمّ عاد من رحلته عن طريق هولندة، فزار أمستردام ولاهاي ولايدن، حيث تقابل مع النواة الأولى لمدرسة الاستشراق بهذه المدينة، مثل العالم أربنيوس وتلاميذه، وحيث استشاره الأمير موريس حاكم البلاد في تدبير خطّة لخلع ملك إسبانيا. وآخره المراحل كانت وصوله إلى تونس، وفيها شاهد ما يلقاه بنو وطنه اللاّجئون من تشجيع الدايات الأتراك على الاستقرار وأنشاء المدن، مما أحدث حركة عمرانيّة واقتصاديّة هامّة.
لذا يكون أحمد الحجري، بثقافته المزدوجة ومناظراته الجريئة، وتحوّله بين الأفكار وتجوّله في الأمصار، شاهداً على القرن السابع عشر، عصر الصراع الشرقي الغربي، والغليان الديني والعقيدي، وتصبح حياته مرآة لحقبة تاريخيّة تعتبر مرجعاً هامّاً بل وأساسيّاً للتاريخ المعاصر.
وقد صاغ الكاتب عبد الواحد براهم حياة الرجل وما تقلّب فيه من أحداث بأسلوب روائي يمتع بقدر ما يجعل التاريخ (ديوان عبر) بالمفهوم الخلدوني.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد