إذا كانت الفلسفة السياسيّة هي ابحث التأمّلي الذي سعى لتحليل وفهم المبادئ أو العناصر الأوليّة التي يقوم عليها النشاط السياسيّ العمليّ، فإننا، بالتأكيد، لا يمكن أن نصنع، بذلك، الفصل بين النظريّة والممارسة في الفلسفة السياسيّة (بمختلف نتاجاتها)، وحتى تلك التي سُميت...
إذا كانت الفلسفة السياسيّة هي ابحث التأمّلي الذي سعى لتحليل وفهم المبادئ أو العناصر الأوليّة التي يقوم عليها النشاط السياسيّ العمليّ، فإننا، بالتأكيد، لا يمكن أن نصنع، بذلك، الفصل بين النظريّة والممارسة في الفلسفة السياسيّة (بمختلف نتاجاتها)، وحتى تلك التي سُميت بالمثاليّة فإنّما هي ردّة فعل بالضد مما هو قائم من التردي أو الضياع أو الانهيار للفعل السياسيّ. ولذلك يلزم أن تكون الفلسفة السّياسيّة لآخذة بالحسبان، دوماً سؤاليّ: ما الواقع؟ وما يجب أن يكون عليه؟ وهنا تدخل المعياريّة أو البحث عن القيمة للمارسة السياسيّة، أو لمثالها، وتخوم كمالها.وذلك ما سنسعى له في هذا الكتاب: إنّه محاولة لكشف هذا الجدل بين الواقع السياسيّ "الممارسة" والمثال السياسيّ "النظريّة في الغالب"، ومن ثمّ البحث في كليهما. واختبار أحدهما على الآخر، مع التركيز على الجانب النظريّ، وتمرير مسطرة الفلسفة عليه وهي المختزلة هنا بالسؤال: هل هذا ما ينبغي، حقاً، للعيش معاً؟ وذلك يتيح للفلسفة السياسيّة دراسة الحقائق المتعلّقة بالتنظيم الاجتماعيّ – السياسيّ من قبيل مفاهيم: الاستقلال الذاتيّ، أو الحريّة، بوصفهما تقريراً للمصير، عقلانياً، أو مفاهيم من مثل العدالة والديمقراطيّة والحقوق والإلتزام السياسيّ؛ لأجل إتمام هدف جماعيّ، يكون منطلقاً لأيّ مجتمع يبتغي العيش "معاً" بكرامة، ويسير لتطبيق وظائفه عبر إطار سياسيّ يضمن له تلك الأهداف.