في مسيرة جابيس انصهار عميق، خط أحمر بمثابة "كاشف"، نقطة ينطلق منها لينظم ويركب فكره، متتبعاً دوائر تتسع وتتعدد. حقيقة أعمال هي عبارة عن اجترار لانهائي، لفكر يذهب ويعود يحول نفسه حيث يحرث بعناد الأخدود ذاته. في هذا الكتاب تعامل مع نص فلسفي فرنسي، وهو قادر على ذلك، لا لأنه يجيد...
في مسيرة جابيس انصهار عميق، خط أحمر بمثابة "كاشف"، نقطة ينطلق منها لينظم ويركب فكره، متتبعاً دوائر تتسع وتتعدد. حقيقة أعمال هي عبارة عن اجترار لانهائي، لفكر يذهب ويعود يحول نفسه حيث يحرث بعناد الأخدود ذاته. في هذا الكتاب تعامل مع نص فلسفي فرنسي، وهو قادر على ذلك، لا لأنه يجيد الفرنسية وكتب كتابه هذا أصلاً بها وحسب، بل لأن له عقلاً فلسفياً مكّنه من اقتحام مجال يحذر منه الناطقون بتلك اللغة والمشتغلون بذلك الفكر وليس ذلك ببعيد عن صفاء ذهنه شخصاً، وشدة صبره راهباً، ودقة تفكيره فيلسوفاً، وكبر تحديه للظرف عراقياً.
نقطة التقاطع هذه، هذا العش حيث تولد وتنتشر الكلمات، نجده معبراً عنه منذ الكتب الأولى لجابيس. "كتاب الأسئلة"، أو التعرف على "قلق" جوهري، وأصلي: عندما نكتشف أننا صرنا "الحي" المتبقي من "إبادة جماعية"، "ليس فقط كيهودي، ولكن كإنسان إذا اعتبرنا أن المحرقة مستمرة في آسيا وفي مكان آخر". هذا هو المنطلق: تمزق للوعي، تمزيق للكائن في وضح النهار ،، لأن ثقافة ما غرقت بعنف تحت ضربات التاريخ. . ثم يتسلسل كل شيء. "مفتقداً لكل انتماء، شعرت أنه انطلاق من هذا اللانتماء يجب أن أكتب، ببطء انبجست من ذاكرة سابقة مزق جمل، وحوارات. كنت دون أن أعرف، أنصت لكتاب يطوح بكل الكتب، كتاب لا أتحكم فيه بطبيعة الحال. كنت أسائله وفي الوقت نفسه أكتبه والذي كنت أنتظر أن يؤلف من خلال هذه المساءلة نفسها". وتأتي تحت ريشة جابيس هذه التأملات البطيئة التي تعبر مؤلفاته جميعها: الله، اليهودية، الكتاب، الكلام، الكلمة، المساءلة، الكتابة، ... تأملات ننصت لصداها العنيد في "كتاب الهوامش"
يحتل "كتاب الهوامش مكانة فريدة بالمقارنة مع باقي مؤلفات جابيس، يبدو أكثر معاصرة من كتبه الأخرى، متأثراً بمفكري اليوم، أصوات حميمية تتقاطع عبر صفحاته، مغطية في بعض الأحيان صوت جابيس: بول سيلان، جاك ديريدا، ماكس جاكوب، روجي كالوا، إيمانويل ليفيناس، ميشيل ليريس، بيير باولوسوليني، موريس بلانشو، إلخ..، من أجل أن نفكر في عجائب الكتابة ومعجزة المعنى "كتاب الهوامش" أو اجترار ما يتعذر قوله.