اعتبرت حنة آرندت نفسها، مفكرة حرّة لا تنتمي إلى دائرة الفلسفة، متجاوزة بذلك تقاليد التفكير كلها، مثقفة قادمة من اللا-مكان، غجرية الفكر، لا تقيم بالموضع عينه دائماً وتأبى الإلفة والموالفة هي غريبة، وغربتها هذه هي سرّ حريتها وجرأتها وربما أيضاً سرّ تأخر شهرتها والتعرف إلى...
اعتبرت حنة آرندت نفسها، مفكرة حرّة لا تنتمي إلى دائرة الفلسفة، متجاوزة بذلك تقاليد التفكير كلها، مثقفة قادمة من اللا-مكان، غجرية الفكر، لا تقيم بالموضع عينه دائماً وتأبى الإلفة والموالفة هي غريبة، وغربتها هذه هي سرّ حريتها وجرأتها وربما أيضاً سرّ تأخر شهرتها والتعرف إلى فكرها، سرّ كل من يحاول أن يعرفها من خلال لقب واحد: فيلسوفة، منظرة، مفكرة، عالمة إجتماع، صحفية... من تكون حنّة آرندت؟ وفيما أشغلت فكرها؟ اللافت للنظر عند الإطّلاع على كتب آرندت وما كتبته طيلة مشوارها الفكري؛ هو أن هنالك مجموعة من المحطات الفكرية والسياسية والفلسفية، فهي تعتبر نفسها قد خرجت من الفلسفة يوم اعتلى الحزب النازي سدّة الحكم في 27 فبراير/ شباط، 1933...
لقد أخذت منذ مدة، عطلة من الفلسفة... يمكنني أن أتحدث عن الفلسفة... يمكنني أن أتحدث عن 27 فبراير 1933... لقد كان الأمر بالنسبة إليّ صدمة مباشرة ومنذ تلك الفترة شعرت أنني مسؤولة... لكن كان الأمر يتعلق أولاً بمسألة سياسية وليست شخصية... وبعدها ما كان يشكل بشكل عام سياسياً، أصبح قدراً شخصياً، لكن يبدو أن ما وصفته بالقدر الشخصي، قد تغير بعد ذلك، حيث عادت في آخر كتبها لتطرح سؤالاً فلسفياً ولسان حالها يكاد يشي بالإعتذار والوجل، المقصود سؤال ماذا يحدث عندما نفكر؟...
لا يمكن القول إن هناك مرحلة للسياسة في حياة آرندت ومرحلة للفلسفة لأنها تفكّرت الفلسفة وتفكّرت داخل الفلسفة وهي تتناول مسائل سياسية، كما تناولت مسائل سياسية عندما تفكّرت "نشاط التفكير".
إن البحث داخل هذا الحيّز الفكري الذي يجمع الفلسفة والسياسة، تحركه إشكالية أساسية تتمثل في إستحالة السياسة بوصفها فلسفة لدى آرندت وهي عندما ترفض لقب الفيلسوفة فإنها في حقيقة الأمر ترفض تاريخ السياسة ومصيرها داخل الفلسفة منذ أفلاطون.