شخصيات جدلية في الفكر العربي والفلسفة الإسلامية، كتاب يجمع بين بحوث أربعة، كتبت خلال مرحلة الدراسة العليا في الفلسفة. ما يجمع بين النصوص هو ذلك الجدل الذي أثاره أصحابها. وتلك الحجارة التي ألقوها، في برك مياه راكدة متباينة من حيث الزمان والمكان والموضوع، ومتفقة من حيث...
شخصيات جدلية في الفكر العربي والفلسفة الإسلامية، كتاب يجمع بين بحوث أربعة، كتبت خلال مرحلة الدراسة العليا في الفلسفة. ما يجمع بين النصوص هو ذلك الجدل الذي أثاره أصحابها. وتلك الحجارة التي ألقوها، في برك مياه راكدة متباينة من حيث الزمان والمكان والموضوع، ومتفقة من حيث التأثير المتبادل بين الفكر والوقع المعاش. هذه الأفكار التي ما انفكت تتفاعل وتتسع دوائرها حتى يومنا هذا، بل لعلها في بعض تفاصيلها توثر في قراءتنا للماضي وتساهم في فهمنا للحاضر والمستقبل. إذ لم يكن أبو يزيد البسطامي مجرد قطب من أقطاب صوفية القرن الثالث للهجرة، بقدر ما كان مؤسس طريقة، وصاحب مذهب وشطح، وقد أصبحت أقواله مثاراً للجدل والاختلاف بين الصوفية والفقهاء، بل وبين الصوفية أنفسهم. فهنالك القائلون بعلوّ شأوه في مجال الروح، وثمّة قائلون بكفره وخروجه عن الدين. أمّا السهروردي (المقتول) فقد دفع حياته في النصف الثاني من القرن السادس للهجرة، ثمناً لآراءه التي تقول، بأن الزمان يكون نورياً، إذ ملك الحكيم السياسة، في حين تكون الظلمات غالبة، إذ خلا العالم من تدبير إلهيّ. ولم يدرك الشيخ رفاعة الطهطاوي أن صعود أوروبا، وانحلال السلطة الإسلامية، وتفتتها، مصدر خطر سياسي، ولم يعتبرها نذير تهديد. وتولّى آخرون فيما بعد رعاية البذور الغربية، التي غرسها الطهاطاوي، في تربة الشرق، وكان أول من دفع ثمنها عبر نفيه إلى السودان، حين تراجع النفوذ الفرنسي من مصر، لتحلّ مكانة السيطرة الإنجليزية. لكن من المؤكّد أن الحجر الذي ألقاهسيد قطب في المياه العربية، ما زالت دوائرة تتفاعل حتى الآن، وتساهم في صياغة واقعنا ومستقبلنا، عبر استلهام حركات التكفير والهجرة، وأطياف من السلفية الجهادية، وصولاً إلى القاعدة، والنصرة، والدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، بعضاً من أفكاره في الظلال والمعالم، حول جاهلية المجتمع وآليات تغييره، بعد عزلها عن سيرورتها، وتجاهل كل تراثه السابق، وهي الأفكار التي كان لها أثر كبير في جنوح بعض الحركات الإسلامية نحو التطرّف. هذه الشخصيات وغيرها ما زالت تحتاج إلى قراءة منهجية مختلفة ترقب نشوء الأفكار وتطورها عبر دراسة المناخ الاجتماعي والسياسي التي نمت من خلاله، ولعلها مهمة كبرى أمام شباب أمتنا.