في روايته " حتى لا تتيه في الحي" يقف الروائي الفرنسي باتريك موديانو على عتبة الماضي، يحفر في مواطن الذاكرة تاريخ فرنسا زمن الحرب، فيسترد تلك الفترة المظلمة من تاريخ بلاده، وأثرها في نفوس من حوله وفي ذاته هو أيضاً، وعلى الرغم من كونه لم يشهد الحرب والإحتلال (ولد عام 1945)، ولكنه...
في روايته " حتى لا تتيه في الحي" يقف الروائي الفرنسي باتريك موديانو على عتبة الماضي، يحفر في مواطن الذاكرة تاريخ فرنسا زمن الحرب، فيسترد تلك الفترة المظلمة من تاريخ بلاده، وأثرها في نفوس من حوله وفي ذاته هو أيضاً، وعلى الرغم من كونه لم يشهد الحرب والإحتلال (ولد عام 1945)، ولكنه عاش تبعاتها وأهوالها. وهو ما عناه بقوله: "ينتابني دائماً إحساس بأني نبته ولدت من هذا الزبل".
وفي هذه الرواية يبدأ موديانو بعبارة (لا شيء تقريباً) والتي تلخّص وحدها مقاربته لهذا العمل، وفي المشهد الروائي يتلقّى كاتب يدعى جان درغان مكالمة هاتفية من شخص يعلمه أنّه عثر على مفكرة عناوينه. وأن من بين الأسماء التي تحويها هذه المفكرة شخصاً اسمه "غي تورسيل" ويبدي المتحدّث حرصاً شديداً على إعادته إلى صاحبه، وفضولاً لمعرفة العلاقة التي تربط درغان بالمدعو تورسيل، لأنه كان هو أيضاً يجدّ في البحث عنه. وبطل الرواية جان درغان، هو كاتب اختار العزلة والإنفراد، مثل موديانو نفسه، لا يرغب قي إقامة علاقات صداقة، وإن كان لا يرفض لأحد طلباً، يجد سعادته في قراءة الكتب مثل " التاريخ الطبيعي" للكونت دوبوفون (707-1788)، والتسكّع في شوارع المدينة، خصوصاً عند الغروب. فهو على ما يبدو من المشّائين الباريسيين الذين يهوون التأمّل أثناء المشي، على طريقة روسو، والتوقف بين الحين والآخر للتحدّث إلى الشجر، وأما الرجل الذي أخرجه من عزلته هذه المرة فيدعى "جيل أوطوني" وهو فارس سباق فاشل تحوّل إلى مقامر متندفع، ومؤلف "غي تورسيل"، حيث ستقودهما أقدامهما إلى غابة سان لو" إحدى ضواحي باريس الشمالية، التي أسكنت في وقت ما عازفة البيانو فندا لندوفسكا والشاعر اوليفي هلاروند في بيت بطابق واحد كان موديانو وأخوه رودي قد قضيا فيه طفولتهما.
وهذم الرواية كما يقول عنها النقّاد " في الواقع حلم رواية، نفس من التخييل، تنتهي، كما بدأت إلى "لا شيء تقريباً" وهو ما لا ينكره موديانو نفسه حيث صدر عمله بمقولة ل "ستندال" جاء فيها" "لا أستطيع نقل واقع الأحداث، لا أستطيع أن أقدّم عنها سوى الظل".