تحتل السميائيات في المشهد الفكري المعاصر مكانة مميزة، فهي نشاط معرفي بالغ الخصوصية من حيث أصوله وإمتداداته، ومن حيث مردوديه وأساليبه التحليلية، إنها علم يستمد أصوله ومبادئه من مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية كاللسانيات والفلسفة والمنطق والتحليل النفسي والإنتروبولوجيا...
تحتل السميائيات في المشهد الفكري المعاصر مكانة مميزة، فهي نشاط معرفي بالغ الخصوصية من حيث أصوله وإمتداداته، ومن حيث مردوديه وأساليبه التحليلية، إنها علم يستمد أصوله ومبادئه من مجموعة كبيرة من الحقول المعرفية كاللسانيات والفلسفة والمنطق والتحليل النفسي والإنتروبولوجيا (ومن هذه الحقول استمدت السميائيات أغلب مفاهيمها وطرق تحليلها)، كما أن موضوعها غير محدد في مجال بعينه. فالسميائيات تهتم بكل مجالات الفعل الإنساني: إنها أداة لقراءة كل مظاهر السلوك الإنساني بدءاً من الإنفعالات البسيطة، مروراً بالطقوس الإجتماعية وإنتهاءً بالأنساق الإيديولوجية الكبرى.
وعلى الرغم، من أن صياغة حدودها النظرية وتحديد مجالاتها لم تبدأ إلا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ فإننا لا تعدم وجود أفكار سميائية متناثرة في التراث الإنساني بشقيه الغربي والعربي، فقد حفلت كبت الأقدمين بإشارات تخص العلامة ومكوناتها وطرق إنتاجها وتلقيها في محاولة لفهم أسرار الدلالات التي ينتجها الإنسان في تفاعله مع محيطه.
بل يمكن القول إن البدايات الأولى للسيمائيات جاءت إستجابة للرغبة الملحة في الإمساك بوحدة التجربة عبر الكشف عن إنسجامها الداخلي غير المرئي من خلال الوجه المتحقق، فما يمثل أمام الحواس شيء متنافر ومتداخل ولا نظام له ولا هوية، ووحدها القواعد الضمنية التي تتحكم في وجوده وتلقيه هي التي تمكن الذات المدركة من التعرف عليه والإمساك بمنطقة.
إن البحث عن هذا الإنسجام هو الذي قاد الإنسان إلى إستخراج مجموعة من المبادئ يمكن الإستناد إليها من أجل إنتاج كل المفاهيم؛ أي الإنتقال من البعد المادي للعالم الخارجي إلى وجهه المجرد؛ وإلى هذا فإن السميائيات لا تنفرد بموضوع خاص بها؛ فهي تهتم بكل ما ينتمي إلى التجربة الإنسانية العادية شريطة أن تكون هذه الموضوعات جزءاً من سيرورة دلالية...