تمثل الأنواع الأدبية قضايا جوهرية في الأدب، فهي تعبّر عن قدرات شعب أو أمّة ما على التطور الثقافي على مدى قرون، فليست هي بناءات شكلانية ترصف الكلام وتجمع المعاني في "قوالب" لكنها تعبير عن قدرات المبدعين والنقاد على الحراك التحويلي لمجتمعاتهم. أي على مدى تمكنهم من إقامة...
تمثل الأنواع الأدبية قضايا جوهرية في الأدب، فهي تعبّر عن قدرات شعب أو أمّة ما على التطور الثقافي على مدى قرون، فليست هي بناءات شكلانية ترصف الكلام وتجمع المعاني في "قوالب" لكنها تعبير عن قدرات المبدعين والنقاد على الحراك التحويلي لمجتمعاتهم. أي على مدى تمكنهم من إقامة علاقات عميقة مع البشر وجذورهم الدينية والثقافية والاجتماعية وتغييرها تبعاً لخطى التقدم، ومجابهة قوى التخلف والاستغلال والتهميش للناس، وتصعيد القدرات على الحوار والبحث والتجديد. أي هو التحول من هيمنة الصور الواحد إلى تعددية الأصوات، ومن سيادة الأنا المركزية الاجتماعية إلى تنوع الأفراد وقدرتهم على الحوار والنقد والتغيير. وإذا كانت صناعة الأنواع الأدبية تخضع للأفعال الحرة للمبدعين فإنها لا تستطيع أن تقفز على الظروف الموضوعية للواقع والناس. وهيمنة نوع أو وجود كافة الأنواع هي قضية مركبة من الذاتي والموضوعي من سيطرة على قيود تعبيرية قبلية ومن مساهمات تحرييرية لنزع تلك القيود. من آفاق مرصودة سلفاً نتاج سابقين ومن قدرة المعاصرين على تغييرها تبعاً لتطور الحياة والمساهمة في تغييرها.
والمبدعون يظهرون في شروط سابقة على إبداعهم، إنها تقيدهم وتجعلهم يعيدون إنتاج الماضي الثقافي أو يضيفون عليه بعض الإضافات اليسيرة والمهمة غير التحويلية الواسعة. ومن هنا فظهور الشعراء في عالم الغرب الجاهلي يختلف عن ظروف أخرى تالية حين حدثت نهضة، فسيطرة الصحراء والحياة الرعوية، هي غير ظهور المدن وميلاد دولة واسعة تختلط فيها الشعوب. لكن إن تبقى الهياكل الإبداعية الجاهلية في عمق المدن وتسيطر على الإنتاج فهي أيضاً هيمنة قبْلية قَبَليّة مستمرة. وقد طرحت بقوة مسألة قصور الأنواع الأدبية على نوع واحد بشكل كبير هو النوع الشعري، ضمور النوعين الآخرين وهم النوع الملحمي والدرامي، وهي قضية ليست تجريدية بل قضية تاريخية واجتماعية وفكرية طويلة ومعقدة.