إنّ البحث في إشكالِ فلسفي راهن، ربما نَجد جذوره في عمق ذلك التفكير الذي خلف لنا فكراً أسطورياً أو تراثاً فلسفياً، أخذ يُغطي بشموليته كل مباحثنا وإهتماماتنا، إذا ما قمنا بعملية التأصيل التي تستدعي منا أن نجدَ أنفسنا مدينين لذلك الإرث الذي تحدث عن مستقبلنا قبل مجيئه.في خطوة...
إنّ البحث في إشكالِ فلسفي راهن، ربما نَجد جذوره في عمق ذلك التفكير الذي خلف لنا فكراً أسطورياً أو تراثاً فلسفياً، أخذ يُغطي بشموليته كل مباحثنا وإهتماماتنا، إذا ما قمنا بعملية التأصيل التي تستدعي منا أن نجدَ أنفسنا مدينين لذلك الإرث الذي تحدث عن مستقبلنا قبل مجيئه. في خطوة إستشرافية منه كبيرة، ربما لا يفقهها من يبحث عن قطعية مع ذلك التراث، فالتراثية والعصرنة هي مساحات من الأخذ والعطاء، وهناك من يجد فيها مسافات سرابية تأخذ بعداً تأويلياً تارة وواقعياً تارة أخرى، وهناك من يستبعد هذه المسافة وهناك من يقربها، تبعاً لطبيعة التعاطي مع تلك الموروثات.
السُّخْريَة في بَحثنا هذا تَدخل في معيارية وواقعية ذلك الحكم، أي حُكمَ التَعاطي مع الفكَرَ والتاريخ معاً، وعلى حد تعبيْر نيتشه (ما لا تاريخَ لا يمكن تعريفه)؛ وهذا (التخويل النيتشوي) يمُكننا مِنَ البَتِ بتعريف بحسب طبيعة قراءتنا له.
يَعني أنّ إقتران المفهوم مع تاريخ الفكر هو يُعقد البحث في تعريف تاريخي، يُحقب على أساسه بدايات التفكير السَاخر، وعندما نقول تفكير، فإننا نقصد ذلك الإقتران الذي لا يُعرف متى وقع؛ بسبب من عدم حضور شواهده، وربما هناك مَن يَرى خلاف من ذلك، ويُحدد لذلك زمناً ويَبداه على وفق أوليات تعاطيه وتفاعله مع تحقيبات ذلك التاريخ ونقصد بذلك (ميوك).
إنّ قراءة تاريخ السُّخْريَة ضمن أدبيات كلاسيكية أو أفكار فلسفية، يُجعلنا نستنبط حُكماً على بدايات ذلك التفكير ونقصد به التفكير الساخر، الذي يتضمنُ في نصوص فلسفية وأدبيات ملحمية وقُصصية ودرامية ومسرحية وشعرية وحوارية على حد السواء: فالفلاسفة، يَبحثون عن كل شيء في الوجود مُتًخطيَّن الحواجز التي تُعيق تفكيرهم وتقيد من تدخلهم في أمر ما.
ويُعَد كل من سوفوكليس وسقراط وديوجين وشيشرون وفولتير وشيلنج وكيركجارد ونيتشه ودريدا ورورتي وبيتر سلوتردايك؛ عَينات من تاريخ وفلسفات مُتكاملة، في تَسلسلِ حَلفي يَجمع بين تراثية السُّخْريَة وعَصرنتها وبين مُحاكاة ذلك التراث وتجديده، الذي يتناوب بين الطابع الأدبي والفلسفي وبتحقيبات جُزئية جَديدة حتى داخل المرحلة التأريخية الواحدة للفكر، مثلَ التُداخل المرحلي بين الحداثة وما بعد الحداثة، أو بين ما بعد الحداثة وما بعد ما بعد الحداثة، التي تُمثل ذروة التَعبير الفاصل بين ميتافيزيقية التفكير وسخريته، بين عدمية التفكير وعقلانيته.
وهذا الإنشطار في التفكير الحقبي يَثير تَساؤلات مُهمة حَول كنه مَهمَّة السُّخْريَة اليوم؟ هذه المَهمَّة جَعلت كثيراً من الباحثين يُميّزون بين السُّخْريَة الأدبية والسُّخْريَة الفلسَفَية، ومن أبرزهم كثير كلوبير وليندا هيتشيون.