إنّ إهتمامنا بالفلسفة الطبيعية وموضوعاتها الجسم الطبيعي والمكان والخلاء والزمان والتناهي واللامتناهي وغيرها، ليس وليد اليوم، بل يعود إلى ما قبل أكثر من ثلاثين عاماً خلون، عندما توجنا إشتغالاتنا عن هذه الموضوعات بكتابنا فلسفة المكان عند ابن سينا (1987)، وتلوناه بكتابنا عن...

إنّ إهتمامنا بالفلسفة الطبيعية وموضوعاتها الجسم الطبيعي والمكان والخلاء والزمان والتناهي واللامتناهي وغيرها، ليس وليد اليوم، بل يعود إلى ما قبل أكثر من ثلاثين عاماً خلون، عندما توجنا إشتغالاتنا عن هذه الموضوعات بكتابنا فلسفة المكان عند ابن سينا (1987)، وتلوناه بكتابنا عن مبادئ الجسم الطبيعي عند ابن رشد (العلوم الطبيعية في فلسفة ابن رشد 1995).
فضلاً عن توجيه طلبة العلم والفلسفة للبحث والكتابة عن هذه الموضوعات بقوة لأنها تظهر أصالة المواقف الفلسفية في موضوعات كهذه عبر التاريخ، لأن البحث في هذه الموضوعات ليس من التراث الفلسفي، بل هي من موضوعات الفلسفة والعلم حتى يومنا هذا، وهي شغلهما الشاغل إلى أن يجدوا الحلّ المناسب لذلك.

ولن يجدوا، بسبب تعدد المواقف العلمية والفلسفية منها، عبر تاريخ المعرفة الإنسانية بكل تنوعاتها وتوظيفاتها لهذه الموضوعات.

وجدت من خلال البحث في موضوعات الفلسفة الطبيعة التي أشرت غليها في اعلاه أن التفلسف الحقيقي يبدأ منها لدى دارسي الفلسفة الذين يريدون أن بينوا لأنفسهم نظاماً فلسفياً محكماً في كافة موضوعات التفلسف الأخرى من ميتافيزيقية وأخلاقية وجمالية ومعرفية، إلخ.

ولهذا وجهت إهتمامي في هذا الجزء وما سيتلوه من أجزاء أخرى نحو جمع وتحرير النصوص الفلسفية في المكان والخلاء والفضاء، وتقديمها للباحثين المختصين بالفلسفة والعلم ولا سيما في موضوعات الفيزياء والرياضيات، من خلال إعتماد المنهج التاريخي في تطور الفكر ونتائج حضوره فيمن يأتي بعده، فابتدأت بتناول هذا الموضوع في تاريخ الفلسفة القديمة قبل افلاطون والمتمثلة بالمدارس الفلسفية المتنوعة والمختلفة المواقف والمتباينة في موضوعات المكان والخلاء، والتي سيتعرف عليها القارئ في هذا الكتاب، وإنتهاءً بآخر الفلاسفة اليونانيين الهيلنستيين (أفلوطين) مروراً بأفلاطون وأرسطو والأبيقورية والرواقية.