لما كنت بصدد ركوب الحافلة التي ستقلني إلى البوني، مرَّ بجانبي قطيع من أطفال المدارس، يصيحون، ويصرخون، ويتدافعون، ويصطكون، ويتضاربون، ويتعاركون في مشهد يثير الشفقة والإشمئزاز كأن القيامة قامت، إلى أن بدأ أكبرهم في الغناء وهم يرددون من خلفه، أما أنا فكنت أتألم في داخلي...

لما كنت بصدد ركوب الحافلة التي ستقلني إلى البوني، مرَّ بجانبي قطيع من أطفال المدارس، يصيحون، ويصرخون، ويتدافعون، ويصطكون، ويتضاربون، ويتعاركون في مشهد يثير الشفقة والإشمئزاز كأن القيامة قامت، إلى أن بدأ أكبرهم في الغناء وهم يرددون من خلفه، أما أنا فكنت أتألم في داخلي بعمق، كلما أسمع الأطفال يرددون تلك الأغنية: "يا طيارة نعلبوك جيبي بابا من المروك"، ليتحول هذا الألم فيما بعد إلى أسى عميق يعصف بي في كل المتاهات لأيام متتالية.
من أوّل وهلة سيثير العنوان إنتباه القارئ، بما أن العنوان لا ينفصل عن مكوّنات النصّ ومراتبه في تحقيق التماسك؛ "زوج بغال"، اسم اشتهرت به المنطقة الحدودية الفاصلة بين المغرب والجزائر؛ هكذا ظلّ المغاربة إلى اليوم محافظين على هذه التسميّة، رغم الجدل السيّاسي الذي لا يزال قائماً هناك، في مطالبتهم بتغيير التسميّة المبتذلة في رأي البعض؛ وبين أخد ورد، لا يزال المعبر مُوصداً في وجه الأشخاص والبضائع، في حين انتعشت تجارة التهريب بشكل جليّ؛ وبين هذا وذاك، يبقى الوضع على حاله، لا يبدو هناك بصيص أمل في تغييره، سيتناول الروائي بعض تداعيات الأزمة بمنأى عن المعالجة السياسية الفجّة، أو الإصطفاف مع طرف ضد آخر، سينتصر للقيّم الإنسانية.

تقوم الرواية على ضمير المتكلم، مما يتيح مساحات أواسع للبوح، هكذا سيعيش عبد القادر الركراكي بطل الرواية، ثلاثة عوالم مختلفة: عالمه الأول يتألف من عامة الناس، من الجيران والأصدقاء: من هؤلاء الذين يلتقيهم يومياً في الشارع، وفي المقهى الذي يرتاده: عالمه الثاني مع تطوان المدينة المغربية، التي انقطع حبل تواصله معها منذ سنوات، أما عالمه الثالث سيعيشه مع ذاتها التي يصفها "ببئر أسراره الخاصة"، كما سيعيش إضافة لذلك، حياة عائليّة متواترة، أفرزتها ثلاث تجارب مختلفة؛ هكذا سيتزوّج بداية من ابنة عمه، بيد أن الزواج لم يعمّر طويلاً: الزوجة الثانية توفيت، كلحظة عابرة من شريط حياته: لينهي محطته الأخيرة مع زوجته "سكينة" التي ستقاسمه خريف العمر، وقد بلغ به الوهن أشدّه: مستسلمة لقدرها، مذعنة لنزقه ومزاجه المتقلب؛ هكذا كانت لكل تجربة زواج عالمها المختلف، ليس هناك خيط تشابه يربط بينها.