-
/ عربي / USD
كتب "فريدريك إنجلز" أثناء إقامته في لندن في أواخر القرن الماضي يقول: "لقد تدوّلت إنكلترا تدريجياً، في مشربها ومأكلها، في طبائعها وأفكارها، بحيث بدأت أتمنى لو أن بعض العادات الإنكليزية أحرزت من التقدم في القارة بمقدار ما أصابت العادات القارية الأخرى من التقدم هنا".
وإذا كان لا يسعنا مشاطرة "إنجلز" رأيه من حيث "المشرب والمأكل" فإننا مع ذلك نتفق معه على التأكيد بأن بريطانيا العظمى كانت في حوالي أواخر عصر فيكتوريا هي بالفعل البلد الأوروبي الأكثر تطوراً، سواء على الصعيد السياسي أم في المجال الإجتماعي، إذ كانت القوانين الإجتماعية الحديثة قد بدأت تظهر إلى الوجود؛ وليس خافياً على الناس، فضلاً عن ذلك، الإزدهار الإقتصادي لبلد كان في تلك الحقبة أقوى بلد في العالم، وتراث هذا الماضي هو الذي ننوي أن نعرضه اليوم.
وسنفهم المؤسسات البريطانية هنا بأوسع معانيها، ومجموع البُنى السياسية والإجتماعية والإقتصادية هو ما سنحاول وصفه في هذه الصفحات، ومن الواضح تماماً أن في التصدي لموضوع كهذا محذوراً كبيراً دوماً من أن نبحث قضايا سرعان ما يتجاوزها الزمن، لأن مؤسسات أي بلد، حتى في بريطانيا العظمى، مصيرها إلى التغير.
ولهذا السبب فإن جميع النواحي المبحوثة ستعرض بصورتها الحالية وبالتوجه إلى ما هو أساسي، ولهذا السبب أيضاً، سنتحاشى بوجه عام الإشارات الدقيقة جداً، وبالتالي المحدودة جداً، إلى الوضع الراهن الذي يغير كل يوم تفاصيل البناء بدون أن يعيد إلى بساط البحث جدياً، حالياً على الأقل، بنية المجموع؛ غير أننا لن نتردد في أن نقدم، كلما أمكن ذلك، بيانات رقمية، من إحصاءات وغيرها، مأخوذة من أحدث الوثائق الرسمية؛ وهذه البيانات، كأرقام الإنتاج أو التصدير مثلاً، لن تصلح بطبيعة الحال إلا لهذه الفترة أو تلك، ولكنه تبيَّن لنا أنها تتيح لنا في الغالب أن نفهم على وجه أحسن وضع بريطانيا العظمى، وأنها تحدد بصورة كافية الإتجاه العام لإقتصادها: وفي وصفنا لنظام البلاد السياسي سنتجنب كذلك بوجه عام الرجوع إلى ماضٍ سحيق جداً، ولئن كان صحيحاً أن كثيراً من المؤسسات ذات منشأ قديم جداً وأنها في شكلها الحالي حصيلة تطور طويل بطيء، فإننا مع ذلك سنقتصر في الرجوع إلى التاريخ على بضع كلمات أو بضعة تواريخ.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد