-
/ عربي / USD
لم أتعوَّد من قبل أن أتكلم في قضايا الساعة كلما استجدت، لا لأني لا أتابعها عن كثب، وإنما لأني أُحبُّ أن تفصلني عنها فترة من الزمن، حتى أتفكر فيها على مقتضى التأمل الفلسفي المبني على القيم، لا على مقتضى التكهّن السياسي المبني على المصالح؛ لكن أحداث الساعة اليوم ليست كغيرها من الأحداث؛ فالأمتان: الإسلامية والعربية تتعرضان اليوم لِما لا يتعرض له غيرهما من الأمم؛ إذ تتعلق هذه الأحداث بوجودهما ووجهتهما ومصيرهما في عالم قلَّ حياؤه؛ ومِثلُ هذه القضايا الكيانية توجب تقديم النظر الفلسفي على التحليل السياسي؛ فواجب الفيلسوف أن يسابق إلى الاشتغال بها، حتى لا تهلك الأمم الإنسانية بما كسبت أياديها. لذلك، تَراني هاهنا أخوض في تحديات ثلاثة فاصلة تواجه الأمتين المذكورتين، وهي: تفريط العرب في القدس وتصارع الحكام المسلمين على النفوذ واقتتال العرب فيما بينهم؛ غير أن خوضي الفلسفي فيها ليس كخوض غيري ممن يردُّون الفلسفة إلى التاريخ أو إلى السياسة، فلا أعرِف أحدا من الكتاب العرب المعاصرين تناول هذه التحديات المهلكات تناولا فلسفيا، إن بعضا أو كلا؛ فقد تركوا سلوك طريق التأمل الفلسفي البعيد والبديع، وانعطفوا على الدراسات غير الفلسفية، سياسية كانت أو تاريخية أو اجتماعية أو إناسية أو أقوامية)))، وأخذوا يمتحون منها ما استطاعوا أن يَمتحوه من الفرضيات والمناهج والنتائج، فيُسقطوها على هذه التحديات المهلكات إسقاطا، ويصوغوها في أساليب ركيكة ومستَغلَقة تدلُّ على قصورهم في استيعاب ما متحوه، فضلا عن تناوله بالنقد الذي يُمحِّص مناسبته للموضوعات التي أُسقط عليها.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد