-
/ عربي / USD
هل هي مفارقة فحسب أن يتأرجح وعي المثقف بين أُزعومتين وموقعين ، بين أن يكون داعياً شعبوياً ومالكاً للحقيقة ؟ في الظاهر ، هي مفارقة فكرية ، لكنها ، في ما هو أبعد من الظاهر ، تعبير عن حال من الإضطراب وعدم التوازن يعيشها المثقفون : شعور مزدوج بالإستعلاء اللاشعوري على الشعب والجماهير ( هو ما يضخّم في أنفسهم فكرة حيازة الحقيقة ) ، وبالإنتماء العضوي إلى قدرهما الاجتماعي ومصيرهما ( وهو ما يؤسس فكرة الالتزام في وعيهم ) . حالٌ أشبه ما تكون بانفصام الشخصية هي هذه الحال التي يعيشونها . وهي حال تتفاقم اليوم في ضوء حقيقتين متداخلتين : تراجع فكرة الإلتزام ، التي أصابت المجتمع الثقافي العربي والعالمي في امتداد أزمة حادة أصابت الأيديولوجيات السياسية الكبرى في العقدين الأخيرين ، وتراجُع مكانة الرأسمال الثقافي في منظوة القيم الاجتماعية والسياسية في عالم اليوم .
بعد ما يقارب العقدين من الزمن على كتابة هذا الكتاب ، ما زال موضوعه راهناً ومضمونه النقدي مشروعاً في ما نزعم . ربما بدت نبرة النقد ، في حينها ، فيه عالية وحادة ، نسبياً ، لكنها – في ما نقدّر اليوم – كانت ضرورية ومشروعة : ضرورية لإحداث الصدمة الإيجابية في وعي المثقفين من أجل إعادة التفكير في يقينيّات بالية ما عادت مقنعة ؛ ومشروعة لأن كمية الإدعاءات ، التي انطوى عليها خطاب المثقف ، وكمية الأوهام والأساطير التي كوّنها عن نفسه ، كانت تستدعي – حكماً – درجة عالية من النقد توازنها وتنقضها . على أن هذه الحدّة ، وإن تسلل الكثير من مفرداتها إلى لغة الكتاب ، لم تجانب تقاليد النقد الموضوعي ولا أمعنت في مساجلة أيديولوجية مصروفة لتصفية حسابات ، أو لتهشيم صورة المثقف كما قد يُظن .
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد