العلاقة بين السياسة والإعلام أكثر تداخلاً وتشابكاً مما يظهر في طبيعة الحياة، وفي الطريق متسع لأفكار وإجتهادات أُخرى لعل في جوانبها ملامح لإجابات وافية تفسر أو تشكل صورة منطقية قابلة للإقناع.وربما كان من الممكن أن تبنى أسس تلك العلاقة مع البدايات الأولى للتوافق أو التعارض...
العلاقة بين السياسة والإعلام أكثر تداخلاً وتشابكاً مما يظهر في طبيعة الحياة، وفي الطريق متسع لأفكار وإجتهادات أُخرى لعل في جوانبها ملامح لإجابات وافية تفسر أو تشكل صورة منطقية قابلة للإقناع. وربما كان من الممكن أن تبنى أسس تلك العلاقة مع البدايات الأولى للتوافق أو التعارض بين الغايات السياسية والأهداف الإعلامية، فقد أدرك الإنسان - المواطن، أو الإنسان - السلطة أنه بحاجة إلى سلاحين لا يمكن تغليب أحدهما على الآخر في ضمان السيطرة على الرعية وإنتزاع الولاء والطاعة، وهما قوة الحكم بكل هيبته وسطوته، والقدرة على الإقناع والهيمنة على عقول الرعية وضمان الرضا والولاء، فقد تأسست علاقة قلقة قائمة على التنازع المستمر، إنهما في حقيقة الأمر يتداخلان في الغاية ويفترقان في الوسيلة.
وربما كان الأمر كذلك منذ نشوء السلطة بمعناها الراهن، أو مع أولى التجريدات النظرية التي ذهبت إلى إبداع تماثلات فلسفية في الحضارات القديمة في معنى وجود حاكمين ومحكومين في الأسرة والقبيلة والمجتمع والمدينة، حتى في مقولات ابن خلدون عن نظرية القوة (الغلبة) التي عكست إلى حد كبير معنى السلطة المرتبطة بمنطق فرض الإرادة على الآخرين بالقوة.
وفي كل ذلك كان معنى السلطة معبّراً عن التمايز والتفوق، وكما يعبّر جان بوديار في أنها عملية خلق أيديولوجية لفرض الأفكار وأنماط السلوك.
لكن الأمر لم يعد في صورته المفترضة مع إتساع نطاق الفضاء التواصلي بتدفق وسائل وتقنيات تعتمد على النبضة الكهربائية عبر النظام التواصلي الإنساني الراهن، وأضحى التواصل اليوم مساراً شديد التعقيد والتأثير، وفي المقابل تبدو نهايات العملية التواصلية تدور وتتسع في آفاق يصعب الإمساك بنهاياتها، ومع كل ذلك، ما زلنا نبحث في حدود أطراف العلاقة التواصلية بين أبعادها الأساسية، مرسل ومستقل، ونجمع آثارها وصدى تدافعها في مساحة وآفاق واسعة وغير محددة النهايات، بوسائل إحصائية أتاحها لنا العلم ومناهجه التي تفتح لنا في كل يوم خطوة واسعة إلى أمام.
ويسعى هذا الكتاب إلى توسيع إمكانية الوصول إلى المعرفة في قدرة الإعلام في التأثير بالسياسية، والعكس أيضاً، ورغم أن الوسائط الجديدة، والتي لا يمكن التكهن إلى أين يمكن أن تقودنا الإبتكارات العلمية في أشكالها وأساليبها، تمسك بيدنا ونحن نبحث في ماهيتها وغاياتها، إلا أننا في كل الأحوال نقف في حدود طرفي المسافة، في بداياتها ونهاياتها، وبإتجاه تحسين الأداء والسيطرة على توجهاتها.