قادت معتقدات وميض جمال عمر نظمي السياسية إلى معارضته لكل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق منذ خمسينيات القرن الماضي مما أدى إلى تعرضه لدرجات متفاوتة من إضطهاد هذه الأنظمة...تتمثل أفكاره الأساسية في إيمانه الثابت بجدوى وحدة الأمة العربية، وبالديمقراطية، وبصيانة الحقوق...

قادت معتقدات وميض جمال عمر نظمي السياسية إلى معارضته لكل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق منذ خمسينيات القرن الماضي مما أدى إلى تعرضه لدرجات متفاوتة من إضطهاد هذه الأنظمة...
تتمثل أفكاره الأساسية في إيمانه الثابت بجدوى وحدة الأمة العربية، وبالديمقراطية، وبصيانة الحقوق الدينية والإثنية، وفي تأييده الكامل لنضال الكادحين، ولكفاح الشعب الفلسطيني، ولحقوق المرأة، فضلاً عن معاداته المطلقة لإستعمار والصهيونية والتسلطية والطائفية والشعوبية...

وُلِد وميض في بغداد في 11 كانون الثاني / يناير 1941، وتوفي في دار والده في منطقة الصليخ / بغداد في 11 تشرين الثاني، اكتوبر 2016، والده جمال عمر نظمي ووالدته ساجدة رؤوف محمد سعيد الكبيسي، وعندما سما وجدانه للتحدي المجيد، وهو دون سن الخامسة عشر (إذ أنه أصبح عضواً في حزب البعث العربي الإشتراكي في عام 1955) كان يدرك انه اختار صراطاً مزروعاً بالأشواك ومملوءاً بالحنظل، ولكن إيمانه بالنصر الكبير جعله يعتبر هذه الصعوبات صغائر يمكن دحرها؛ ظل يقارع، رغم كل ما واجهه من تحديات أليمة ومريرة، ومن جحود ودجل.

وقد أصابا أحد معارفه حين كتب: "وميض المثقف، الشفاف، الجاد تجتمع في خصائله الذاتية: البساطة جداً لدرجة الزهد، والصدق جداً لدرجة الطفولة، الشجاعة جداً لدرجة التضحية بالنفس... حين التقت عيناي بعينه، أدركت كم هو كبير هذا الرجل، وكم هو منسجم مع نفسه، وكم يكون الإنسان سعيداً حين يكون بإتساق مع قلبه وعقله وضميره".

ينحدر وميض من عشيرة الوفداوي، كان ينظر للعروبة كحضارة، وليس عرقاً أو أصلاً وفصلاً... فالعروبة بالنسبة إليه هي مسؤولية تُحمَل وليست وساماً يرتدى، هي نهضة ونزال وليست منحة تُنال، نشأ وميض وترعرع في بيئة تقدمية وطنية، ومؤيدة للتحرر والتضامن العربي والعدالة الإجتماعية، ويشهد العدو قبل الصديق أن أي مناصب تبوأها والده أوجده لم تأت على حساب وطنيتهم أو نزاهتهم... جدارتهم وحدها هي التي ارتقت بهم إلى مراكزهم.

في عام 1957 استدعي وميض جمال إلى البلاط الملكي، ولأنه في حينه كانت هناك مباحثات لتشكيل وزارة جديدة طلبت منه زوجته ساجدة أن يعتذر إذا عرضوا عليه منصباً وزارياً، ولكن عند عودته أخبرها بأنه قبل المنصب، فانفجرت باكية، وكأن ما حدث هو مصيبة، وفسّر وميض لها أن الذي جعله يقبل الإستيزار هو الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء علي جودت الأيوبي، بأن سياسة حكومته ستكون موازرة للتضامن العربي؛ وخصوصاً مع مصر عبد الناصر، أصبح وميض عضواً عاملاً في حزب البعث العربي الإشتراكي ولم يتجاوز عمره 15 سنة؛ غلا أنه ترك الحزب في عام 1961، عندما آزر البعثيون إنفصام سوريا عن مصر، فقد كان إيمانه الوحدوي أعمق بكثير من أي إنتماء حزبي أو فئوي...

اعتقله البعثيون عند تسلمهم السلطة عام 1963، وتعرض إلى تعذيب مبرح، في مجالسه كانت نقاشات وميض تنصب على أحوال الوطن، وكيف يمكن لمّ شمل جميع قوى الوطنية لمجابهة الأخطار المحدقة، لم تكن هناك حوادة في عدائه للهيمنة الإستعمارية وللطائفية، ولإستغلال الكادحين، وكان مؤمناً بما حذر منه عبد الناصر عندما قال: "ما أخشاه هو مخاطر الإنقسام، وإشغال نيران الفتن بإسم الدين"، وهذا ما حصل فعلاً بعد إحتلال العراق عام 2003، كان لسان حاله يردد ما قاله ثوري آخر، جيفارا: "لا تحدثني عن سياسي، أو رجل أعمال، همّه الوحيد الربح، بل حدثني كيف يزهر الربيع؟ وكيف يضحك الفقراء؟ وكيف يعمل الكادحون؟ وكيف حال الأوطان؟".

بعد الإحتلال الأميركي الغاشم للعراق، حُدِّد وميض بالقتل، مكتب: "لعل الموت قتلاً بالرصاص الأجنبي، أو مرتزقته، هو منحة كريمة، وبمثابة صرخة إحتجاج أخيرة على ما آلت إليه الأمور في أمتنا العربية... الكارثة هنا ليس في أن يتمكن العملاء من تهديد أحرار الأمة وقتلهم؛ ولكن في أن تجابه مثل هذه الظاهرة بآذان الطين والعجين وبفرك اليدين واللجوء إلى الحوقلة".

شخصية وميض الرقة، ومشاعره الوطنية، وإتجاهه الوحدوي، وشجاعته الشامخة حببته إلى الكثير من أمناء الأمة العربية المجيدة... تواضع عن رفعة، وزهد عن حكمة، وأنصف عن قوة، وعفا عن قدرة... رحل، وتظل أفكاره حيّة في وجدان المخلصين من هذه الأمة، وإنما يأتي هذا الكتاب بمثابة سيرة ذاتية، لوطنيته، ولإخلاصه لأفكاره ومبادئه، سطرتها مجموعة هذه المختارات مما حرره وميض على مدى السنين، وذلك في القسم الأول من هذا الكتاب، أما القسم الثاني فقد تم تخصصه ليقرأ القارئ بعضاً مما كتب عن وميض جمال عمر نظمي... التحدي الكبير.