إذا كان العنف هو أحد أساليب التعامل بين الأفراد وكذا بين الدول، يقوم على استخدام القوة المادية أو المعنوية، فإن "الإرهاب" مشتق من كلمة الرهبة أي الخوف، بمعنى وضع الطرف الآخر في موقف الخائف المضطر للقبول بمطالب خصمه. وإذا كانت القسوة في معاملة الخصوم، وكذلك أساليب الخداع...
إذا كان العنف هو أحد أساليب التعامل بين الأفراد وكذا بين الدول، يقوم على استخدام القوة المادية أو المعنوية، فإن "الإرهاب" مشتق من كلمة الرهبة أي الخوف، بمعنى وضع الطرف الآخر في موقف الخائف المضطر للقبول بمطالب خصمه. وإذا كانت القسوة في معاملة الخصوم، وكذلك أساليب الخداع والتآمر قد استخدمت في معظم النزاعات على مر التاريخ؛ فإن تعبير "الإرهاب" في مفهومه السياسي المعتمد هذه الأيام فتظهر لأول مرة في أوروبا بعد قيام الثورة الفرنسية؛ فقد ذكر جورج سباين في الجزء الرابع من كتابه "الفكر السياسي" أن أحد المتحدثين أمام المؤتمر الوطني للثورة الفرنسية عام 1874 قال: "يقولون أن الإرهاب هو سبيل الحكومة المستبدة، فهل حكومتنا إذن تشبه الاستبداد؟ أجل إنها تشبهه مثلما يشبه السيف الذي يلمع في يد بطل الحرية، ذلك السيف الذي تتسلح به أذيال الطغيان. إن حكومة الثورة هي استبداد للحرية ضد الطغيان"
واليوم، كثر الحديث في الفترة الأخيرة، عن ظاهرة الإرهاب التي اجتاحت مناطق عديدة من العالم، بشكل أصبح من المعتاد جداً أن تتصدر أخبار الإرهاب صفحات الصحف والمجلات، وأن تبتدئ بها نشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية، وأن تفقد من أجلها اجتماعات ثنائية أو متعددة الأطراف، وأن تبرم بخصوصها الاتفاقيات والمعاهدات العالمية.. الأمر الذي يستدعي دراسة هذه الظاهرة بشكل متعمق من جميع جوانبها، والبحث في أسبابها لمعالجة آثارها على السلم والأمن الدوليين. كما أن تعمّد بعض الجهات الخلط بين الإرهاب والكفاح التحرري، الذي تخوضه الشعوب المتهورة والمستعمرة، يتطلب توضيح ماهية الكفاح التحرري وأسبابه وأساليبه، مع إبراز الفرق الجوهري بين العنف الثوري المشروع والعنف الإرهابي.
وليس هناك من حاجة إى البرهنة بأن المعنى المتداول حالياً لهذا المصطلح، قد قذفت به إلى اللغة والسياسة كل من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني أكثر من غيرهما، وهما قد حاولتا، بشتى الوسائل الإعلامية، تقييد الكلمة في حدود أعمال العنف التي تصيبها، وفي الوقت تصنيف هذه الأعمال على رأس قائمة ما يجب مقاومته. وعلى هذا الأساس، وبهذا المقياس، صارت الدعاية الأميركية والصهيونية تصنف دول العالم وأحزابه وحركاته، باعتبارها إرهابية أو تدعم الإرهاب أم لا. ولم يقف الأمر عند حدود الدعاية؛ بل تم استخدام هذا المقياس في العلاقات السياسية التي تقيمها الولايات المتحدة الأميركية.
من هذا المنطلق ياتي هذا الكتاب الذي يعالج موضوع الإرهاب في الفصل الأول من خلال إلقاء نظرة تاريخية على نشوء الإرهاب أولاً متحدثاً عن العنف الإرهابي ودافعه وأشكاله، وعن إرهاب الدولة والإرهاب الدولي، وعن الامم المتحدة والإرهاب، لينتقل من ثم في الفصل الثاني إلى تناول موضوع حق الشعوب في الثورة من أجل الاستقلال وتقرير المصير وقد تطرق في هذا الفصل إلى عدة مسائل في هذا الإطار وهي: حق الثورة في الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، حق الثورة وفق مبدأ حق تقرير المصير، حق الثورة استناداً لحق الدفاع الوطني الشرعي. وليتناول وبشكل مفصل الإرهاب الإسرائيلي والأميركي في الفصل الثالث متحدثاً عن الإرهاب الإسرائيلي قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها. أما الفصل الرابع فقد تم تخصيصه للحديث عن الثورة الفلسطينية كحركة تحرر وطني تمارس حق الدفاع الشرعي، وتسعى للحصول على حق تقرير المصير، وليفرد الفصل الخامس للحديث عن أحداث 11 سبتمبر 2001، مختتماً البحث بخلاصات ونتائج توصل إليها، مبدياً رأيه في هذا الموضوع "الإرهاب".
لقد أصاب المؤلف في اختياره مسألة الإرهاب، إذ هو من الأهمية ما يعتبر من أمهات المسائل التي تحتاج إلى بحث في هذا العصر، فإن الحاجة كانت ماسة، دائماً، ومنذ منتصف القرن العشرين الماضي، إلى وضع فيصل للتفرقة بين المقاومة (وحركات التحرر الوطني) وبين الإرهاب، وهي حاجة ارتفع معدلها في السنوات الأخيرة بعد أن بلغ التضليل الإعلامي الأميركي، الصهيوني مداه، واستفحلت غزواته الإعلانية المنظمة الهادفة إلى إقامة مماها بينها قصد تلويث سمعة المقاومة والنيل من شرعية قضيتها. وقد استطاع المؤلف من خلال بحثه هذا بضع الحدود والفواصل والتمايزات بين المقاومة وحركات التحرر،وبين الإرهاب، مستقبلاً مادة غزيرة من الشرائع والقوانين الدولية ومن الإنكار التحررية والإنسانية لبناء تلك الغوارق. ويضيف إلى أهمية الكتاب أن المؤلف أطل على تحديات العولمة على المجتمعات العربية، ورصد وجوهها المختلفة، ووضع قارئة أمام المفارقة الجديدة التي تدعو إليها السياسات الغربية والأميركية بخاصة، وهي العيش بين مطرقة الإرهاب الأكبر ( إرهاب الدولة: ومنه الحروب والغزو والاحتلال) وبين سندان التفكيك الكياني الذي تنتجه في المجتمعات العربية مفاعيل العولمة