لطالما شكّل التاريخ الإسلامي مصدراً للرواية العربية تعكف عليه وتستوحي منه مادتها الأولية، وتعيد صياغتها وفقاً لتقنياتها الخاصة، وهو بالضبط ما فعله عبد الله عادل في روايته الأولى "الصوفي الأول" متحركاً بين الحكاية والتاريخ عائداً بنا إلى القرن الثالث للهجرة يروي لنا رواية...

لطالما شكّل التاريخ الإسلامي مصدراً للرواية العربية تعكف عليه وتستوحي منه مادتها الأولية، وتعيد صياغتها وفقاً لتقنياتها الخاصة، وهو بالضبط ما فعله عبد الله عادل في روايته الأولى "الصوفي الأول" متحركاً بين الحكاية والتاريخ عائداً بنا إلى القرن الثالث للهجرة يروي لنا رواية "تحكي حقبة غائمة في التاريخ سلطت فيها الضوء على أنموذج يمني لهجرة الحجازيين إلى افريقيا. وحاولت – يتابع الروائي – أن أكشف واقعاً إجتماعياً سياسياً سائداً، ما زالت أصداؤه السلبية الأخيرة مشاهدةُ في واقع الناس وحياتهم وأفكارهم".
ولتحقيق هذا الهدف يتخذ الروائي من شخصية إبن قاضٍ من قضاة المدينة في اليمن وإبن أحد سادتها، والتي لا تخلو من تقوى وورع، مفتاحاً لولوج عالم الصوفية في القرن الثالث للهجرة، فيعبر بنا صوب صوفية اليمن والسودان والقاهرة وبغداد ودمشق، ليقدم لنا مشهداً ملحمياً يبرز طريقتهم في العيش وخلواتهم وطقوةسهم وشعائرهم وعلمهم وتصوفهم، الذي هو في جانب كبير منه غايته حب الله وحب رسوله وحب الذكر وحب الخير.
هذه الحكاية يصوغها عبد الله عادل بخطاب روائي يتناسب مع العالم المرجعي الذي يحيل إليه، وهو خطاب يتميز بتعدد الرواة، فإلى جانب الراوي العليم "عيسى" نقع على الشيخ علي، والحاج خليل، والحاج محمد وغزوان ومختار وسواهم، ولكل من هؤلاء "روايته" ضمن الرواية، التي تتقاطع مع جمع من أفراد القافلة، بما فيها النساء والعبيد والجواري، حيث تشكل العلاقات بين الروايات / الحكايات المختلفة بتقاطعها واختراقها مضمون الرواية. أما زمن السرد فيبدو طغيان الماضي على هذا الزمن. غير أننا لا نستطيع الحديث عن تسلسل زمني للأحداث المسرودة، فالسرد لا يتابع دائماً من حيث النقطة التي وصل إليها، بل قد يتوغل إلى نقطة سابقة لاستعادة تفاصيل معينة لم يرد ذكرها، أو يقفز إلى أخرى لاحقة، ولعله يريد بذلك خلق نوع من التشويق إلى زمن مضى نجح من خلاله الروائي في إعطاء العمل بُعداً ملحمياً، ما جعلها تستحق القراءة.