يتعلق هذا الكتاب بمسيرة تحديث المجتمع الليبي، وهي مسيرة أدعي أنها بدأت-على نطاق ضيق-منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اقتطعت منها حقبة معينة وهي الحقبة التي بدأت بالانقلاب العسكري في اليوم الأول من شهر أيلول/سبتمبر من عام 1969 الذي أطلق عليه من قاموا به اسم ثورة الفاتح....
يتعلق هذا الكتاب بمسيرة تحديث المجتمع الليبي، وهي مسيرة أدعي أنها بدأت-على نطاق ضيق-منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اقتطعت منها حقبة معينة وهي الحقبة التي بدأت بالانقلاب العسكري في اليوم الأول من شهر أيلول/سبتمبر من عام 1969 الذي أطلق عليه من قاموا به اسم ثورة الفاتح. قام بالانقلاب حفنة من صغار ضباط الجيش بقيادة ملازم ثانٍ اسمه معمر محمد عبد السلام أبو منيار. ينتمي معمر إلى قبيلة القذافة، واشتهر فيما بعد بالقذافي أو العقيد. تربع معمر على المسرح السياسي الليبي، وكان اللاعب الرئيس في جميع الأحداث التي مرّ بها هذا المجتمع منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري، ويفترض أن تأثيره في الأحداث الليبية انتهى يوم مماته في 20/10/2011. لكن يبدو أن تأثيره سيستمر لفترة طويلة رغم أن الموت غيبه عن ذلك الموقع المتميز الذي احتله في شاشات التلفزيون الرسمي طيلة الفترة الممتدة من الأول من شهر أيلول/سبتمبر 1969 إلى يوم 22/8/2011 وهو اليوم الذي توقف فيه البث الرسمي. يمكن أن يصنف هذا الكتاب ضمن الكتب التي كتبت حول القذافي، وهو كذلك، إلا أنه يختلف عن الكتب التي نشرت حتى الآن حول القذافي من حيث إنه كتاب في علم الاجتماع. وبعبارة أخرى، كتاب يبين كيف نظر متخصص في علم الاجتماع لمسيرة مجتمع خضع لحاكم دكتاتور لمدة زادت عن أربعة عقود. لم يكن القذافي أول دكتاتور، فالتاريخ يعجّ بأسماء الدكتاتوريين الذين وُجدوا منذ أن بدأ الإنسان يسجل في تاريخه، ولن يكون الأخير. لكن الحقبة التي حكم فيها، والظروف التي صاحبتها، وخصوصاً المرتبطة بالثروة الناتجة عن بيع النفط الخام، ساعدت على أن يكون تأثيره على مجرى الأحداث في ليبيا قوياً ومن نوع خاص. إذ عندما يتوافر المال وتغيب القوانين، ويقرر حاكم متعجرف ومدمر، وعنده حقد دفين على كل من كان يبزه مكانة اجتماعية أو مالاً أو نفوذاً، ويقرر أنه وحده له حق التصرف في المال العام كيفما شاء، أشياء كثيرة يمكن أن تحدث، وأهمها: القدرة على شراء كم هائل من الذمم، تسخر في مجالات واتجاهات متنوعة تخدم مصلحة الحاكم وليس المجتمع.