يتناول هذا الكتاب سياسة فرنسا الثقافية ومدى تأثيرها في لبنان الذي أختير أنموذجاً للدراسة، وتكمن أهمية اختيار هذا الموضوع كونه لم يجر تناوله من قبل، وان تم التطرق إليه من قبل الباحثين والدارسين فهو بشكل محدود، ولم يحظ بقدر كاف من البحث والتحليل المعمقين. لذا، توخى المؤلف في...
يتناول هذا الكتاب سياسة فرنسا الثقافية ومدى تأثيرها في لبنان الذي أختير أنموذجاً للدراسة، وتكمن أهمية اختيار هذا الموضوع كونه لم يجر تناوله من قبل، وان تم التطرق إليه من قبل الباحثين والدارسين فهو بشكل محدود، ولم يحظ بقدر كاف من البحث والتحليل المعمقين. لذا، توخى المؤلف في هذه الدراسة سد الفراغ في هذا الجانب في المكتبتين العراقية والعربية على حد سواء. ولعل أغلب ما كتب في هذا الموضوع سواء أكان باللغة الفرنسية أم العربية، فكان إما من قبل كتاب ومفكرين وباحثين فرانكفونيين عكسوا وجهة النظر الفرنسية، أو من قبل آخرين قدموا وجهة نظر مناهضة لتوجهات سياسة فرنسا الثقافية بعيداً عن التجرد والموضوعية العلمية التي ينبغي ان يتحلى بها الباحث العلمي. لذا دأب المؤلف لدى دراسة هذا الموضوع على التزام الحيادية والتحليل العلمي الموضوعي والمجرد من الميول الشخصية. ان هذا الموضوع يكتسب أهمية كبيرة كونه يسلط الضوء على جانب أخذ يحظى باهتمام كبير في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، ذلك ان مفهوم التعاون الثقافي مع فرنسا ما انفك يثير جدلاً محتدماً بين فريقين؛ أحدهما منتقد ومعارض، وآخر مؤيد ومناصر. ذلك أن طبيعة سياسة العلاقات الثقافية الفرنسية تحمل إشكالاً يحمل بين طياته مفاهيم متعددة، وهو محل خلاف بين طائفتين؛ إذ ترى فيه الطائفة الأولى صيغة استعمارية جديدة، ولا سيما في بلدان المغرب العربي ولبنان التي عانت الاستعمار الفرنسي أكثر من غيرها. في حين ترى الطائفة الأخرى بأنه يمثل إشعاعاً ثقافياً وتواصلاً حضارياً مع بلدان ناطقة بالفرنسية، وأنه جدار صد لمقاومة التحديات الأنكلوسكسونية وجميع اشكال التنميط الثقافي والإعلامي والهيمنة الأنكلوفونية.
وقد جرى اختيار 1959 كتأريخ لبدء الدراسة، وذلك يعود الى ان فرنسا بدأت تطور سياسة ثقافية واضحة منذ ذلك العام مع تولي أندريه مالرو منصب أول وزير للثقافة في عهد الجنرال ديغول إذ أصدر عدة قوانين متعلقة ببيوت الثقافة ومراكزها، فضلاً عن إصدار قوانين حماية التراث ودعم المتاحف الكبرى في فرنسا. في حين أختير عام 1986 كتأريخ لانتهاء الدراسة، نظراً الى انعقاد أول مؤتمر فرانكفوني في مدينة فرساي في فرنسا الذي حدد مساراً جديداً للسياسة الثقافية من خلال الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة الفرانكفونية، وحيث بدأت فرنسا تنتهج منهجاً جديداً في سياستها الثقافية.