ما هو عالم اللامساواة ؟ لا يزال التحليل على الصعيد العالمي يقف ويستوقف ويمانع ، شأنه في ذلك شأن ما كان يفترض فيه أن يُلهم من فعلٍ وتبعية أو استنفار : فاللّامساواة أو التفاوتات قلّما افلحت في فرض نفسها كموضوع دراسة أو نجحت في أن تكون موضوع فعلٍ ومجاهدةٍ عموميتين ، والعالم يشهد...
ما هو عالم اللامساواة ؟ لا يزال التحليل على الصعيد العالمي يقف ويستوقف ويمانع ، شأنه في ذلك شأن ما كان يفترض فيه أن يُلهم من فعلٍ وتبعية أو استنفار : فاللّامساواة أو التفاوتات قلّما افلحت في فرض نفسها كموضوع دراسة أو نجحت في أن تكون موضوع فعلٍ ومجاهدةٍ عموميتين ، والعالم يشهد التقلبات التي شهدتها اللامساواة في الماضي ، ولكن بصورة متفاقمة وأشدّ مقاومة . فقد اعتبرت اللامساواة في الماضي طبيعية ، أي من طبيعة الأمور ، ولم تكن تستدعي أيّة مجهودات لتقويمها ، وحين فرضت خطابات المساواة والتساوي نفسها وسط الأمم ، منذ عصر الأنوار ، ثم وبخاصة ، بعده ، عبر المُثل الديمقراطية والإشتراكية ؛ فإن التفاوتات أو اللامساواة على المستوى العالمي ظلّت في الهامش ، وبقيت مجهولة ، لا بل إنها واصلت الإقتران في الأذهان كافة ، بالبرية ، أو بـ " مستويات التحضّر " الشهيرة التي لم يصل إليها أحدٌ بعد . ظلّت التطورات بطيئة تتردد بيسرٍ وتؤدة بين غريزة الإحسان والوعي الأممي الخجول [ ... ] ضمن هذه المقاربات يأتي هذا الكتاب " أوضاع العالم L’Etat du Monde . فمنذ إطلاقه في العام 1981 والكتاب يمضي في تقصّي التحولات التي تشهدها المعمورة ويواكبها . وتعتمد شبكة المؤلفين التي تتولاه على مجموعات بحثية متعددة ، وعلى باحثين كُثر في فرنسا وفي الخارج ، وذلك في مختلف الميادين التي تتعلق بما هو دولي . وإلى هذا .. فالكتاب يتقصى التحولات الكبرى ، السياسية ، الإقتصادية ، والإجتماعية ، والدبلوماسية ، وكذلك التكنولوجية أو البيئة ، عبر ثلاثين مقالة قاطعة مُحكَمَةَ ، دقيقة وموثقة . تسمع هذه المقالات للقراء بالمقاربة بين ظواهر ، تبدو في ظاهرها معزولة متباعدة ، وبإعادة موضعتها في سياقٍ إجمالي . وهذه الطبعة الجديدة التي بين يدي القارىء ، تركّز على مسألة اللامساواة . ذلك أن العولمة ، خلافاً للوعود التي قطعها أصحابها ، عمّقت هذه التفاوتات سواء بين الشمال والجنوب ، أم بين بلدان هاتين المنطقتين . وإن كانت هذه التفاوتات تضرب بجذورها في تاريخ الرقّ والإستعمار ؛ إلا أنها تعود بخاصة على الهرمية أو التراتبية التي يفرضها المجتمع الدولي . وهذه التفاوتات التي يعمد بعض المنظّرين الإقتصاديين إلى تبريرها ، هي التي تفسّر في غالب الأحيان العنف السياسي . وعلى العكس من ذلك ، فإن الكفاح من أجل المساواة يحتل منزلة مركزية في التحريك الجماهيري الذي يشهده العالم اليوم . بعد هذا التفكيك للرموز والطلاسم ، يجد القارىء جردة ، هي بمثابة محصلة عن التفاوتات أو اللامساواة في مختلف المجالات التي تتجلى فيها . ماذا فعلت المنظمات الدولية لمكافحتها ؟ ماذا بقي من التنمية ؟ أية أدوار تلعبها ظاهراتٌ مثل الهجرات والعمران الحضاري أو الإضطرابات المناخية ؟ كيف تترجم اللامساواة في مجالات الصحة والتربية بين الرجال والنساء ؟ وهل يمكن الحديث عن " برجوازية عظمى " معولمة ؟ . وهكذا تخلص مقاربة اللامساواة وتفضي في هذه المقالات إلى سلسلة من دراسة الحالة القاريّة ( من أميركا اللاتينية أو أوروبا مروراً بالساحل الإفريقي ) والقومية ( من المملكة المتحدة إلى الصين مروراً بالهند والعراق وإسرائيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية ) ، من دون أن تنسى اللوكسمبورغ ، الجنة الضريبية المهتزة . وقد تم إلحاق الكتاب بدفتر خرائط وملحقات إحصائية وذلك من أجل مساعدة القارىء على رؤية ديناميّات النزاعات المعاصرة . وقد استعان الفريق العامل بالجغرافي وواضع الخرائط والصحافي فيليب ريكازيفتيش ، الذي يجد القارىء عمله ماثلاً في هذا الدفتر الملحق الذي ضم الخرائط والملحقات الإحصائية المكملة لهذا الكتاب .