إن الأسس الراسخة التي بلورها "ستانسلافسكي" باتت مغرية لكل فنان يطمح إلى معرفة آلية الفن وجماليته، وروحه الفكرية، وأبعاده الفلسفية، هذا ما سيتعرف إليه القارئ من خلال قراءته مباحث رائد الواقعية حول فن الممثل، معبّراً عن ذلك بمنهج جريء وصادق، فهو يعتبر بحق رائد هذا "الفن"...
إن الأسس الراسخة التي بلورها "ستانسلافسكي" باتت مغرية لكل فنان يطمح إلى معرفة آلية الفن وجماليته، وروحه الفكرية، وأبعاده الفلسفية، هذا ما سيتعرف إليه القارئ من خلال قراءته مباحث رائد الواقعية حول فن الممثل، معبّراً عن ذلك بمنهج جريء وصادق، فهو يعتبر بحق رائد هذا "الفن" بالرغم من عراقته وبالرغم من امتداد أصوله إلى جذور بدائية. سيكون للمؤلف مداخلة يلمح فيها إلى تلك العادات والممارسات السحرية التي حاول فيها الإنسان أن يضفي لمسات جمالية وذوقية، للوقوف على تلك النشاطات شبه الدرامية والتي يتقمص فيها حالة تخيلية ما حيث بات معروفاً أن هذه الممارسات قد تعززت بصورة أكثر تعقيداً لدى الفراعنة، وسكان وادي الرافدين حيث حصل لدى "الإغريق" انعطاف مهم، انتقل فيه الممثل من المرحلة السردية التي أسماها "أفلاطون" "بالراسبودية" إلى مرحلة "التقمص" أو "العرض". وظهرت لأول مرة محاولة لدراسة "المحاكاة"، التي يقوم الممثل من خلالها بصياغة "فعل" فني، مأساوي، وملهاوي، واستمر الأداء "التمثيلي" في تطوره وفي خلقه لتقاليد جديدة لدى الرومان في احتفالاتهم السنوية الصاخبة. وحاولوا أن يطابقوا، أحياناً، بين فجيعة الممثل الواقعية، وفجيعته الفنية، في سبيل التأثير على متفرجيهم.
وسيحاول المؤلف في أحد فصول كتابه هذا الوقوف عند تلك الأنماط الفنية المستجدة لديهم، وسيعرض أيضاً فنون الممثل ومهاراته في القرون الوسطى، وطرائق أدائه أمام حشود في داخل الكنيسة وخارجها، وظهور مبدأ "الأسلبة" في التمثيل وكيفية التعامل مع "الحوادث" الواقعية من خلال العرض المسرحي، متتبعاً جذور الممثل "الجوال" الذي اكتنز الكثير من هذه المعالجات الإبداعية في عصر النهضة، الأمر الذي تألق فيه شكسبير من حيث المغزى الروحي والتقني في صناعته التأليفية الخلاّقة وفهمه لمهمة "الممثل" بصورة دقيقة. مبيناً من خلال ذلك شمائل الممثل خلال فترة "الكلاسيكية الحديثة" وتنظير أولئك الكلاسيكيين، بشأن النظام والوضوح، والمثالية التي تُسبغ على أعمالهم برمتها، إلى جانب ذلك سيمر المؤلف بآراء "موليير" و"بوالو" حول مهنة التمثيل، متابعاً في حركة التمثيل في القرن الثامن عشر، الاتجاه الفلسفي والتربوي العقلاني في تسنم ممثل الطبقة الوسطى عرش العروض المسرحية الجديدة المخالفة لما كان شائعاً من أبعاد مثالية "ميتافيزيقية" في فن الممثل، مثيراً من ثم قضية تناقضية الأداء التمثيلي بين الواقع وإنتاج الوهم الحقيقي، ومعرجاً بعد ذلك على كيفية حسم "دينيس ديدرو لموضوعتي "الإحساس" و"العقل"، بالإضافة إلى ذلك يقوم المؤلف برصد بعض تنظيرات "هيكل" حول فن الممثل وطروحات "لينسك" أو "شيلد" و"غوته"، ليصل من ثم إلى المرحلة "الرومانتيكية" ممثلة بأهم الطرائق الأدائية الخلاّقة التي أبدعها ممثلون عظام أمثال "سارة بونار" وفهمها عن التمثيل، و"توماس سالفيني" أو "هنري لويس ليكين" و"ديفيد جاريك"، و"جويف تالما" و"ادموند كين" و"هنري ايرفنج" و"كونستان كوكلان" للوقوف عند منعطف مهم آخر في طرز التمثيل ممثلاً بـ"آدولف آبيا" وأطروحته حول علاقة الممثل بالمناظر والإضاءة والموسيقى وتحقيق شاعرية العرض وغنائيته بواسطة هذا الأداء، والذي هو أيضاً لدى "فاغز" و"ديفيد بلاسكو" فضلاً عن بحثه مسائل معقدة أخرى. إلى جانب ذلك كله يلجأ المؤلف إلى كتابي ستانسلافسكي" "إعداد الممثل" و"فن المسرح" و"إعداد الدور المسرحي" للتعرف على مصطلحاته الدقيقة والحاسمة في تطوير منهجية التمثيل في "العالم المعاصر".