هذا الكتاب مراجعة لجلّ المفاهيم التي اصطنعتها نظريّة الأعمال اللّغويّة. وقد صُغنا في أعطاف هذه المراجعة عددًا من التصوّرات التي نعتقد أنّها تُعدّل، وجوهاً من التّعديل، بعض المفاهيم وتؤوّلها تأويلاً لا يوافق بالضرورة ما استقرّ منها في الكتابات الحديثة.فقد نظرنا في مفاهيم...

هذا الكتاب مراجعة لجلّ المفاهيم التي اصطنعتها نظريّة الأعمال اللّغويّة. وقد صُغنا في أعطاف هذه المراجعة عددًا من التصوّرات التي نعتقد أنّها تُعدّل، وجوهاً من التّعديل، بعض المفاهيم وتؤوّلها تأويلاً لا يوافق بالضرورة ما استقرّ منها في الكتابات الحديثة.
فقد نظرنا في مفاهيم العمل القوليّ والعمل في القول وعمل التأثير بالقول والعمل اللغويّ نفسه نظراً يهدف إلى توضيحها من جهةٍ وحملها على محامل نحويّة تخرجها ممّا نتوهّم أنّه نقاط ضعف فيها من جهةٍ أخرى. ولا غرو فمنطلقنا لغويّ يفترض أنّ الظواهر التداوليّة ذات أسسٍ نحويّة وإن كانت خافية ومنطلق جلّ أصحاب نظرية الأعمال اللّغويّة فلسفيّ لغويّ لا يعنى بالنحو إلاّ في حدود ما يسمح به الإرث المنطقي الذي ينطلقون منه والأهداف الفلسفية التي لأجلها نظروا في اللّغة واستعمالاتها.
وقد كانت تلك المراجعات مستنداً لنا لصياغة مقترح في تفسير تكوّن الأعمال اللّغويّة وتولّد بعضها من بعضٍ وانتظامها وتعاملها في ما بينها لخّصناه في عبارة «دائرة الأعمال اللّغويّة». وهي دائرة تمكّن، في ما نزعم، من تبسيط عديد الإشكالات التي طرحت سواءٌُ في نطاق النظريّة المذكورة أو في نطاق النظريّة البلاغيّة العربيّة القديمة بقدر ما تمكّن من إرساء أسسٍ لحساب دلاليّ للقوى القوليّة (الإنشائيّة) يسمح بالتّمييز بين الأساسيّ النظامّي والمشتّق المتولّد من غيره والاستعماليّ المتصل بالسياق وألعاب اللّغة اللامتناهية؛ فهي تجمع إلى وضوح التنظيم و"أناقة" الانتظام قدرةً ندّعيها لتفسير فوضى الاستعمالات المقاميّة.

إنّ أفكار هذا الكتاب، خلاصة حركةٍ ذهنيةٍ معرفيةٍ أعدنا بها قراءة أبواب المعاني وفصول الإنشاء من كتابات البلاغيين القدامى بقدر ما أعدنا خلالها قراءة مقترحات المحدثين وضروب التمييز اللّطيفة التي أدخلوها على فهمنا للظواهر البلاغيّة والتداوليّة.

ولكن الحاصل، في تقديرنا، جملة من المقترحات التي نعتقد أنها جديرة بالتطوير والمناقشة لصياغة تصوّر أنجع في معالجة قضايا الأعمال اللّغويّة.