لن يقدّم لك هذا الكتاب خطاباً علميّاً بالمعنى الدقيق الذي تقضي به الأعراف الأكاديميّة، حيث لا يورّد الرأي إلا مُوثّقاً منسوباً، ولا يرسَل الحكم إلا مؤازراً معضوداً، في إمتثال كليّ للموضوعيّة التي من بنود ميثاقها تغييب الذات الحميمة عن مضمون المعرفة، وبناءً عليه تعارضت...
لن يقدّم لك هذا الكتاب خطاباً علميّاً بالمعنى الدقيق الذي تقضي به الأعراف الأكاديميّة، حيث لا يورّد الرأي إلا مُوثّقاً منسوباً، ولا يرسَل الحكم إلا مؤازراً معضوداً، في إمتثال كليّ للموضوعيّة التي من بنود ميثاقها تغييب الذات الحميمة عن مضمون المعرفة، وبناءً عليه تعارضت كتابة الخواطر مع منهج البحث العلميّ.
ولكن هذا الكتاب سينأى بنفسه عما يناقض المعرفة العلميّة ويصادمها، ألا وهو الخطاب الأيديولوجيّ، ذاك الذي يُمعن في تخدير الوعي جانحاً نحو الكتابة المتحزِّبة التي غايتها توجيه السلوك والتحكم في الإرادة.
بمكاشفة تامّة يعتزم هذا الكتاب أن يَركب جواد الخطاب الثقافيّ صادراً عن مفهومين محدّدين، الأول: أن الثقافة هي جسر الضرورة بين الفكر والسياسة، والثاني: أن الخطاب الثقافي ملتزم بطبعه، وأن إعلانه هو إعلان من الإنخراط في ميثاق الإلتزام بكل ما يحرّر الكائن من قيود التسلُّط أيّاً كان مأتاه.
إنه الرهان على الرسالة النضاليّة التي ينهض بأعبائها المثقف حين يحاكم الواقع المعيش، مستشرفاً مآل الأحداث، ومُصِرّاً على أن تنف الإرادة إلى أعماق الزمن في صيرورته المتصلة.