يعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي ظهرت في العصر الحديث في مجال اللسانيات والفعليات (pragmatics) ونظرية التواصل وعلم النفس الإدراكي المعرفي.لقد أوجد كتاب (نظريّة الصِّلة أو المناسبة) Relevance ثورة في مجاله وطوفاناً من البحوث والمجادلات بشأن النظرية التي أسسها الأنثروبولوجي الفرنسي...
يعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي ظهرت في العصر الحديث في مجال اللسانيات والفعليات (pragmatics) ونظرية التواصل وعلم النفس الإدراكي المعرفي. لقد أوجد كتاب (نظريّة الصِّلة أو المناسبة) Relevance ثورة في مجاله وطوفاناً من البحوث والمجادلات بشأن النظرية التي أسسها الأنثروبولوجي الفرنسي (دان سبيربر) واللغوية البريطانية (ديدري ولسون). فمنذ صدور الكتاب وإلى يومنا هذا تناولتها أعداد هائلة من البحوث والأطروحات، ولا يكاد يوجد حقل في اللسانيات والعلوم القريبة منها لم تتم إعادة النظر فيه على ضوء معطيات نظريّة الصِّلة أو المناسبة، التي ألقت أضواءً جديدة على علم النفس الإدراكي المعرفي وعلم الدلالة والنحو والأدب والبلاغة والترجمة والأسلوبيات وتحليل الخطاب وعلم الصوت والأنثروبولوجيا وعلم التواصل والفلسفة والفعليات وغيرها كثير. تمثل النظرية مقترباً جديداً لا للتواصل communication فحسب وإنما لعملية الإدراك cognition عموماً، هو المقترب الاستدلالي inferential approach الذي يدعو إليه المؤلفان بوصفه بديلاً للمقترب السميوطيقي semiotic الذي يعتمد التشفير وفك التشفير في التواصل. يقول (سبيربر وولسون) في الفصل الأول: "إن التاريخ الحديث للسميوطيقا هو في الوقت نفسه مزيج من النجاح المؤسساتي والإفلاس الفكري. فمن ناحية، توجد الآن أقسام ومعاهد وجمعيات ومؤتمرات ودوريات كلها مكرسة للسميوطيقا. ومن ناحية أُخرى فشلت السميوطيقا في أن تنجز الوعود التي قطعتها على نفسها. وفي الحقيقة لقد تم تقويض أسسها بشدة.." اعتمد المؤلفان في مقتربهما الاستدلالي على الفيلسوف اللغوي (بول غرايس) ونظريته في التلويح الحواري conversational implicature غير أنهما وإن كانا قد "خرجا من معطف (غرايس) تناولا نظريته بالنقد والتعديل؛ إذ ذهبا إلى أنه لا ضرورة لقواعد (غرايس) الأربع the Maxims (قاعدة النوع وقاعدة الكم وقاعدة الأسلوب وقاعدة الصِّلة أو المناسبة)، فالصِّلة أو المناسبة وحدها تكفي لتفسير التواصل وهي تغني عن جميع القواعد الأخرى.