يمثل موضوع هذا الكتاب أحد مواضيع الساعة الكبرى في مطلع هذا القرن. تطرح فصول الكتاب السبعة وتحلل وتناقش من زوايا منظور مختلف مسألة الثقافة أو ما نود تسميته بالرموز الثقافية في متن هذا الكتاب، وهي اللغة والفكر والمعرفة/العلم والدين والقوانين والقيم والأعراف الثقافية...
يمثل موضوع هذا الكتاب أحد مواضيع الساعة الكبرى في مطلع هذا القرن. تطرح فصول الكتاب السبعة وتحلل وتناقش من زوايا منظور مختلف مسألة الثقافة أو ما نود تسميته بالرموز الثقافية في متن هذا الكتاب، وهي اللغة والفكر والمعرفة/العلم والدين والقوانين والقيم والأعراف الثقافية والأساطير... فمن جهة، إذا كانت ظاهرة العولمة هي أهم القضايا المطروحة على مجتمعات اليوم وقياداتها فإن الانشغال بالعولمة الثقافية يأتي في الصدارة في عالم أصبح أصغر من قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات والمعلوماتية وما لذلك من انعكاسات على مشهد العولمة الثقافية وبسبب الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الأخيرة بالنسبة إلى الأصناف الأخرى لظاهرة العولمة.
يعطي الفصل الأول من الكتاب المشروعية الضرورية لموضوع الكتاب نفسه، إذ يطرح تحليلاً جديداً للتأكيد على أن الإنسان كائن ثقافي بالطبع قبل أن يكون اجتماعياً بالطبع. وقع التوصل إلى صدارة الكينونة الثقافية الطبيعية للجنس البشري من خلال النظر إلى خمس ميزات ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى وهي: النمو الجسمي البطيء، طول العمر، السيادة في العالم/الكون، الرموز الثقافية والهوية المزدوجة (جسد ورموز ثقافية). لقد بين تحليل العلاقات بين تلك الميزات الخمس أن منظومة الرموز الثقافية التي يملكها ويستعملها الإنسان هي التي أهلته وحده للتميز والإنفراد بتلك الميزات. ومن ثم جاءت مشروعية تسميته بأنه كائن ثقافي بالطبع في المقام الأول. ومن ثم، جاءت مشروعية البحث في الثقافة والتعمق فيها في هذا الكتاب.
بعد أن أكد الفصل الأول، على الكينونة الثقافية الطبيعية للإنسان قدم الفصل الثاني، محاولة جادة لتحديد وتأصيل ما سمي بأبجدية الرموز الثقافية/الثقافة. أي التعرف على أهم العناصر المكونة لمنظومة الرموز الثقافية عند الجنس البشري: اللغة والفكر والمعرفة/العلم والدين والقانون والأسطورة والقيم والأعراف الثقافية.
كما شرح معنى ما نطلق عليه في فصول هذا العمل الفكري بالسمات /الأبعاد المتعالية/ الميتافيزيقية الخفية للرموز الثقافية. وفسر كيف أن اختلاف الأقوام في منظومات الرموز الثقافية يعد مصدراً لضعف أو فقدان التقارب والتواصل والتفاهم بينهم، مما يؤدي عموماً إلى علاقة يغلب عليها التوتر و/أو الكراهية و/أو العداء على المدى الزمني الطويل.
ويتضح من هذا الفصل ومن سابقه ومن بقية فصول الكتاب، بأن مفهوم الرموز الثقافية ذو قدرة كبيرة على مد مختصي العلوم الاجتماعية والإنسانية بفهم وتفسير لظواهر متعددة ومتنوعة الأمر الذي يؤهل هذا المفهوم للترشح لكي صبح نظرية Theory أو إطاراً فكرياً paradigm على الأقل ذات/ذا صدقية عالية في علوم الإنسان والمجتمع.
يتناول الفصل الثالث من الكتاب الرؤية المعرفية الإسلامية لطبيعة الرموز الثقافية، حيث تم كشف الحجاب عن جوهر طبيعة منظومة الرموز الثقافية. وللقيام بذلك تم المقارنة بين منظور العلوم الاجتماعية والمنظور القرآني.
يؤكد الفصل الرابع من الكتاب على ضرورة تجاوز الرؤية التقليدية لعلمي الاجتماع والأنثروبولوجيا على الخصوص بالنسبة لطبيعة الرموز الثقافية. ويتمثل هذا التجاوز في اعتبار اللمسات الميتافيزيقية معلماً رئيسياً للرموز الثقافية وهو ما تسكت عنه بصفة عامة العلوم الاجتماعية الحديثة، كما أبرزنا ذلك في الفصلين الثاني والثالث من الكتاب.
ويطرح الفصل الخامس من الكتاب سؤالاً لا تكاد تثيره لا التخصصات المعرفية الحديثة ولا عامة الناس. السؤال هو: لماذا يتمتع أفراد الجنس البشري عموماً بأمد حياة أطول من غيرهم من أفراد كائنات الأجناس الحية الأخرى؟ إذا كان هذا السؤال يتصف بالندرة، فإن الإجابة عنه في هذا الفصل هي إجابة جديدة وربما غير مسبوقة.
هذا ويعتبر الفصل السادس أطول الفصول جميعاً لأنه يقوم باستكشاف عام لطبيعة الرموز الثقافية ويتناول بالتحليل والمناقشة العديد من الظواهر والقضايا التي تبرز مساهمتنا في فكر العلوم الاجتماعية الإسلامية المعاصرة.
أما الفصل السابع والأخير من هذا الكتاب فيطرح مسألة تأصيل الفكر الاجتماعي (السوسيولوجي) العربي في مرجعية الثقافة الإسلامية العربية وذلك لسببين رئيسيين. فمن جهة، تتبنى هذه الثقافة بقوة وبطريقة سباقة، رؤية معرفية (إيبستيمولوجيا) للعلوم والمعارف ينادي بها اليوم عدد متزايد من العلماء والباحثين في الغرب. يدعو هؤلاء إلى توحيد الرؤية المعرفية بين العلوم الطبيعية natural sciences. ومن جهة ثانية، فالرؤية المعرفية للثقافة الإسلامية العربية لدراسة الرموز الثقافية (الثقافة)، موضوع هذا الكتاب، هي المؤهلة بحق إيبستيمولوجيا لإعطاء الرموز الثقافية أولى الأولويات في دراسات المختصين في العلوم الاجتماعية باعتبار أن الرموز الثقافية، كما تبين فصول الكتاب الأخرى، هي المفاتيح الرئيسية للكسب بامتياز رهان الفهم والتفسير في دنيا سلوكات أفراد الجنس البشري وحركية مجتمعاتهم. فيتجلى على هذين المستويين مدى مشروعية مقدرة رؤية الثقافة الإسلامية العربية على منافسة غيرها من الرؤى العديدة المطروحة في العلوم/المعارف الحديثة في مجال إرسال تراث علمي/معرفي أكثر صدقية.