تمثّل بابل إحدى أقدم الحضارات البشرية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق؛ ففي هذه المنطقة على الفرات، تشكلت للمرة الأولى أصول الحضارة، بكل ما تنطوي عليه من كتابة، ونظم مدنية، وقوانين عمرانية، وتشكيلات اجتماعية. وفي جنوب بلاد بابل، منذ الألفية الرابعة ق. م.، تكوّن تجمّع سكاني...
تمثّل بابل إحدى أقدم الحضارات البشرية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق؛ ففي هذه المنطقة على الفرات، تشكلت للمرة الأولى أصول الحضارة، بكل ما تنطوي عليه من كتابة، ونظم مدنية، وقوانين عمرانية، وتشكيلات اجتماعية. وفي جنوب بلاد بابل، منذ الألفية الرابعة ق. م.، تكوّن تجمّع سكاني اسمه "بلاد سومر وأكَّد"، كان الرائد في ابتكار الكتابة، وأسهم في تكوين دويلات المدن لأول مرة في التاريخ، حتى كان أن أوجد سَرجون الأَكَّدِيّ في بواكير الألفية الثالثة، أول إمبراطورية معروفة، امتدّت حدودها التجارية من قبرص حتى أفغانستان؛ وتولى أتباعه وضع أول قوانين بشرية مدوّنة.
ولقد تتابعت على بابل سلالات متعاقبة هي الأموريّون والأكَّدِيّون والكشيّون والآراميّون والكلديّون.
يتناول هذا الكتاب تاريخ هذه الدول المتتابعة التي حكمت بابل وما استحدثته من نظم أدبية وفكرية وعسكرية وثقافية واجتماعية وأسطورية استمداداً من الشواهد الأثرية والنصوص المكتوبة، بمنهج البحث العملي الدقيق الذي لا يسمح إلا بما تؤكده الوقائع الثابتة وتبرهن عليه الشواهد التاريخية الأصيلة.