يعلم جميع المهتمين بالعلوم الجنائية وبخاصة ذوي الثقافة الفرنسية أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا ودوره في حركة الدفاع الاجتماعي مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن المؤلف نفسه كان له دور مؤثر في ولادة وتطور هذه الحركة وهذا الفقه منذ منتصف الثلاثينات وقد أشار إلى...

يعلم جميع المهتمين بالعلوم الجنائية وبخاصة ذوي الثقافة الفرنسية أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا ودوره في حركة الدفاع الاجتماعي مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن المؤلف نفسه كان له دور مؤثر في ولادة وتطور هذه الحركة وهذا الفقه منذ منتصف الثلاثينات وقد أشار إلى هذا الفقه منذ منتصف الثلاثينات وقد أشار إلى هذا الدور أكثر من مرة في هذا الكتاب، فهو كان مهتماً منذ ذلك التاريخ أن يبث روحاً إنسانية، كما يقول هو عن نفسه، في قانون العقوبات وفي الفلسفة الجنائية بصفة عامة. فهو يعتقد أن المذاهب التقليدية سواء تلك التي نادى بها فلاسفة القرن الثامن عشر وحركة التعديلات التي قادها رجال الفقه والقانون في منتصف القرن التاسع عشر، أو أفكار المدرسة الوضعية الإيطالية، قد أفلست ولم تعد قادرة على مواجهة الظاهرة الإجرامية والتغلب عليها، فالأمر لا بد أن يكون وسطاً بين هذين النظامين المتطرفين، ولكن للوسطية مشاكلها، فمن اليسير أن ترفض المذاهب المتطرفة وتخرج بحل تلفيفي وسط وتقنع نفسك بأنك ساهمت في حل هذه الظاهرة المعقدة.
فالرفض وحده إذن، لا يقنع أحد فلا بد من تدعيمه بما هو إيجابي في هذا الفكر الجديد. وهذا في واقع الأمر، ما أكد عليه المؤلف وهنا تكمن أهمية الكتاب، وهو عندما نشر كتابه الأول مرة سنة 1954 كان يعرف أنه سيواجه بانتقادات لا حصر لها، وقد صدق حدسه فعلاً، ولهذا فقد خصص جزءاً مهماً من هذا الكتاب الذي صدر في طبعته الثانية سنة 1965 للرد على هذه الانتقادات، وهذه الردود لا تقل في أهميتها عن المحتوى الفكري العام الذي عرضه في الطبعة الأولى من حيث أنها توضح ما قد يشوب نظريته الجديدة من غموض وإبهام. ثم لا تنس أنه في خلال الفترة التي تزيد عن عشر سنوات، وهي الفترة الفاصلة بين تاريخ الطبعتين، كانت قد خطرت له أفكار أخرى تصب في الاتجاه نفسه الذي اختاره تساعد على دحض وتفنيد حجج خصومه واستكمال بعض جوانب القصور في هذا الفقه الجديد.

واختيار الدكتور "محمد الرازقي" لهذا الكتاب بالعرض والتحليل جاء ليقربه إلى ذهن القارئ لأن بعض المصطلحات الواردة فيه وحتى الأسلوب فضلاً عن المحتوى العام غريب بعض الشيء عن أذهان بعض الطلاب وتكوينهم القانوني. ثم إنه، ومن خلال نقده وتحليله للآراء والمذاهب المختلفة، ابتغى تبيان مواطن الضعف في هذه الآراء والمذاهب ومواطن القوة في هذا الفقه الجديد كما يراها من وجهة نظره، وهذا ما بالتأكيد سيمكن القارئ من اكتساب ملكة النقد والتحليل التي لا غنى عنها لأي باحث في علم من العلوم.